الدكتور
جميل حمداوي
عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح
توطئــــة:
نظم المغرب بمدينة تازة المهرجان الجهوي السادس لمسرح الشباب عن الجهة الشرقية الشمالية والوسطى، وقد دامت هذه التظاهرة المسرحية الرائعة ثلاثة أيام من 27 فبراير إلى غاية 1مارس من سنة 2009م.
هذا، وقد شاركت عشرة نواد في هذا المهرجان من مختلف مدن الجهة الشرقية وهي: الناظور، والحسيمة، وبركان، ووجدة، وفجيج، وجرادة، وتازة، وتخلفت مدينة تاوريرت.
أما الفرق والنوادي المسرحية التي قدمت عروضها المسرحية في دار الشباب أنوال بمدينة تازة فهي:
1- نادي البحث والتشخيص المسرحي بمدينة تازة بمسرحية :" مشاهدات صعلوك"؛
2- نادي الأقنعة
لمسرح الشباب بمدينة تازة بمسرحية :" من الحبة قبة"؛
3- نادي محمد مسكين
لمسرح الشباب بمدينة وجدة بمسرحية :" كاراكوز وعوض"؛
4- نادي تيفاوين
لمسرح الشباب بمدينة الحسيمة بمسرحية :" ثواث إمضران/ باب القبور"؛
5- النادي التازري
لمسرح الشباب بمدينة الناظور بمسرحية" مشهد قبل البداية"؛
6- النادي الجامعي
لمسرح الشباب بمدينة الناظور بمسرحية :" نساء الزابوق"؛
7- نادي إصفضاون
لمسرح الشباب بمدينة الناظور بمسرحية :" حلم بلا ظل"؛
8- نادي الانطلاقة
لمسرح الشباب بمدينة بركان بمسرحية :" المحاكمة"؛
9- نادي التواصل
لمسرح الشباب بمدينة جرادة بمسرحية :" جيل لهبال"؛
10- نادي الجيل
الصاعد بمدينة فجيج- بوعرفة بمسرحية :" الضفة المجهولة".
أما لجنة التحكيم فكانت تتكون من السادة الأساتذة الدكتور جميل حمداوي، والحسن ياسين، وعادل الزبادي، ومحمد بلخضير، وأحمد العشوشي.
وقد انتهى هذا المهرجان الجهوي الناجح بتأهيل نادي الأقنعة لمسرح الشباب بتازة عن مسرحية:" من الحبة قبة".
أ- معايير التقويم:
يثير تقويم العروض المسرحية ضمن الإقصائيات الإقليمية والجهوية والوطنية والعربية والدولية كثيرا من الصعوبات والمشاكل بين أعضاء لجن التحكيم على مستوى التنقيط والتقدير والتقييم بسبب التفاوت العلمي والتجربة الاحترافية واختلاف المرجعيات النظرية والتطبيقية التي ينطلق منها المحكمون المشاركون في انتقاء أفضل العروض الدرامية واختيار أجودها. وقد يترتب عن هذا الاختلاف العلمي والمنهجي الوقوع في مفارقات ترجيحية وتناقضات في التفضيل والتقييم؛ مما يسبب لدى المشاهدين والفرق المشاركة بلبلة ولبسا واضطرابا في معرفة الصواب من الخطإ والحقيقة من التيه والضلال.
لذا، ارتأينا تحديد منهجية إجرائية للعمل النقدي والتقويم الدرامي السليم والمتمثلة في مجموعة من المعايير العلمية والضوابط المحكمة التي تحد من الذاتية المفرطة والأهواء الانفعالية الخاصة والرغبات الدفينة لدى أعضاء لجن التحكيم في مجال المسرح.
هذا، وقد استقينا هذه المعايير المنهجية المحكمة من تاريخ الإخراج الدرامي قديما وحديثا، وبلورناها في شكل قواعد عامة ينبغي الانطلاق منها استرشادا وتوجيها لكي يكون حكمنا التقييمي علميا ونزيها وموضوعيا يتفق حولها المحكم والممثل والمخرج والمشاهد والإداري والناقد على الرغم من أن الحقيقة في مجال المعارف والعلوم والآداب والفنون نسبية ليس إلا.
وتتمثل معايير التقويم والانتقاء واختيار أجود العروض المسرحية في المرتكزات والقواعد الضابطة التالية:
1- الفرجة الشاملة أو المتكاملة التي تتمثل في توظيف جميع مقومات الفن المسرحي من رقص وموسيقا وإضاءة وشعر وسرد وكوليغرافيا وميم وبانتوميم، باختصار الدعوة إلى المسرح الشامل مادام المسرح أب الفنون جميعا...؛
2- الجمع داخل
العرض المسرحي بين الفائدة المعرفية والمتعة الجمالية؛
3- جودة الانسجام
الجماعي في العروض الحوارية الجماعية أو الانسجام الفردي في العروض المنودرامية؛
4- توظيف التقنيات
الميزانسينية والتصورات الإخراجية المعروفة في تاريخ الإخراج المعاصر وحسن
استثمارها تقنيا وسياقيا ودلاليا ومقصديا؛
5- البحث عن تقنيات
وتصورات إخراجية ومشاهد سينوغرافية وصور مشهدية درامية جديدة لم تستعمل بعد في
العروض المسرحية؛
6- الجمع بين متعة
الأداء التمثيلي فوق خشبة الركح ومتعة التلقي والتقبل والمشاهدة البصرية من قبل
الراصدين؛
7- الميل إلى
التجريب المسرحي واختبار النظريات الدرامية الحديثة وتجريبها؛
8- البحث عن
التجديد والحداثة الحقيقية؛
9- الميل نحو
الإبداع والابتكار والخلق والبحث الدرامي والبحث عن نظريات وتقنيات وطرائق مسرحية
جديدة على مستوى التشخيص والإخراج والسينوغرافيا والتأليف والدراماتورجيا؛
10- توظيف
سينوغرافيا سيميائية متكاملة قائمة على
الإثارة والإدهاش تجمع بين اللغوي والحركي والأيقوني لإمتاع الجمهور معرفيا
ووجدانيا وحركيا؛
11- جودة التشخيص والتمثيل
وتطبيق منهجيات المدارس المعروفة في تدريب الممثل وتكوينه سواء على المستوى النفسي
الداخلي أم على المستوى التقني الخارجي أو التوفيق بين الأداءين معا؛
12- احترام معيار
الوقت نسبيا لتفادي الملل والرتابة والروتين في المشاهدة والرصد ، وتسهيل المهمة
أمام الفرق المسرحية الأخرى لبناء ديكوراتها وتأثيث فضاءاتها الركحية.
ويقصد بهذا الأمر ضرورة الالتزام بغلاف زمني مسرحي يقترب من الساعة زيادة ونقصا بالنسبة لمسرح الشباب ومسرح الطفل والمسرح المدرسي ، والتقيد بظرف ساعتين بالنسبة لمسرح الكبار والمحترفين؛
13- التركيز على المواضيع الهامة والجادة التي تحمل رسالة تربوية وإنسانية وأخلاقية بعيدة عن العرقية والشوفينية والتطرف وإذكاء النعرات الضيقة؛
14- اجتناب التعابير
المباشرة السطحية التقريرية وتعويضها بطرائق فنية وجمالية موحية وانزياحية ورمزية
باستعمال أساليب حوارية كنائية ودالة
وتعابير إلقائية غير مباشرة؛
15- الانطلاق من رؤى
فلسفية وذهنية جادة قائمة على الحق والوضوح والعمل والصدق والأمل والتفاؤل
والالتزام بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، واجتناب فلسفة العبث واليأس والقلق
والتشاؤم والضياع والاغتراب؛
16- تشجيع التأليف
الشخصي لدى الفرق والنوادي والجمعيات والمؤسسات المشاركة وترجيح كفة الإبداع
الذاتي الشبابي بدلا من الاشتغال على النصوص الغيرية سواء أكانت مقتبسة أم مترجمة
أم مؤلفة من قبل كتاب آخرين؛
17- الإشادة
بالإعداد الدراماتورجي الذي يقوم به المخرجون والمؤلفون الشباب والكبار على حد
سواء؛
18- التنويه بالصور
البلاغية المشهدية واللقطات الكوليغرافية الممتعة والمفيدة المرتبطة بسياقها
الوظيفي والسيميائي؛
19- الإشادة الكلية
بالأعمال المسرحية التي تنحو منحى التأصيل والتأسيس للفعل الدرامي سواء أكان هذا
التأصيل مرتبطا بالثقافة العربية الإسلامية أم بالثقافة الأمازيغية أم بأية ثقافة
أخرى ، وذلك بالبحث عن كل ما يكون الهوية والأصالة والكينونة الحقيقية للإنسان
العربي والأمازيغي والآخر على حد سواء؛
20- من المعروف أن
هناك أنواعا ثلاثة من العروض المسرحية، عروض تراعي أفق انتظار الجمهور، وعروض تخيب
أفق انتظاره عن طريق الانزياح وتخريب القواعد والمعايير المألوفة في المسرح، وعروض
تؤسس لأفق انتظار جديد . لذا، ترجح - في اعتقادنا - كفة العروض التي تبني تصورا
جديدا لدى المشاهد الراصد ، وترفع من ذوق المتلقي الملتقط ،وتؤسس لأفق انتظار
حداثي جماهيري جديد؛
21- التركيز على
معياري الوظيفية والسياق الدراميين، ويعني هذا أن جميع المكونات المسرحية ينبغي أن
تكون وظيفية ، ولها سياقها الدلالي والسيميائي والتداولي والنفسي والاجتماعي بدون
تصنع وتكلف؛
22- الإحساس
بالحيوية والانسجام والاتساق والشعور بالنغمة الموحدة المتكاملة والتناغم الهرموني
داخل العرض المسرحي؛
23- الجمع بين
التشخيص اللغوي القائم على الكلمة والحوار اللفظي والتشخيص الحركي القائم على
الأداء الجسدي والبصري والكوليغرافي أثناء تقديم الفرجة المسرحية؛
24- إضافة جوائز
جديدة مثل: جائزة الكوليغرافيا،وجائزة الجمهور، وجائزة النقاد، وجائزة لجنة
التحكيم، وجائزة أجود صورة مسرحية، وجائزة الدراماتورجيا، وجائزة أحسن اشتباك
درامي.
ولكي تكون لجنة التحكيم لجنة علمية مقبولة لتمارس اختصاصاتها التقويمية إبان الإقصائيات المحلية والجهوية والوطنية والعربية والدولية والتظاهرات المسرحية لابد أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط والمواصفات والمميزات الضرورية التي يمكن حصرها في الشروط و الضوابط التالية:
1- أن يكون عضو التحكيم حاصلا على شهادة عليا في مجال المسرح والدراما؛
2- أن تكون له خبرة
كبيرة ومعرفة موسوعية وشاملة بفنون المسرح والدراما نظريا وتطبيقيا؛
3- أن تعترف به
الجمعيات والنوادي والفرق والمؤسسات المسرحية بأهليته ليكون عضوا في لجن التحكيم
المسرحية؛
4- أن يكون خريجا
من معاهد الفنون الدرامية والتنشيط المسرحي؛
5- أن يكون ناقدا
كفءا مشهورا ينشر المقالات ويؤلف الكتب في مجال المسرح والدراما ، ومعروفا بمكانته
وأهليته العلمية والأدبية والفنية؛
6- أن يكون العضو
المختار مخرجا مرموقا له خبرة كبيرة في مجال الإخراج الدرامي والسينمائي والإذاعي
والتلفزي، وحاصلا على بعض الشواهد والجوائز التي تؤهله لممارسة مهمة التحكيم؛
7- أن يكون فنانا
تشكيليا وسينوغرافيا له خبرة بالديكور والإكسسوارات وتأثيث الركح المسرحي وفن
الرسم والتشكيل الهندسي؛
8- أن يكون له خبرة
كبيرة في مجال التربية وعلم النفس الفردي
والاجتماعي وفنون الإضاءة والكوليغرافيا
والموسيقا ليشارك مع لجن التحكيم في تقويم العروض المسرحية؛
9- أن يتحلى
بالمروءة الأخلاقية والاعتدال والنزاهة
الموضوعية والأمانة العلمية ويتشبث بالآداب الفاضلة والخلال الحميدة. وفي المقابل،
يتجنب الظلم والحيف والأهواء الذاتية وخدمة المصالح الشخصية؛
10- أن يدافع عن
الحق الأمثل مهما كانت الضغوطات والوقائع والإكراهات،ويبحث عن الحقيقة والصواب في
تقويمه للعروض المسرحية المعروضة عليه؛
11- ألا تكون لعضو
التحكيم أدنى صلة أو علاقة بالفرق والنوادي المسرحية العارضة سواء من قريب أم من
بعيد؛
12- ألا يكون عضو
التحكيم منتميا إلى أية إدارة أو مؤسسة أو هيئة أو جميعة ساهرة على المهرجان
أومنظما للتظاهرة المسرحية تحقيقا للمشروعية العلمية والموضوعية والنزاهة في تقييم
العروض المسرحية والعمال الدرامية؛
13- اختيار أعضاء
لجن التحكيم من مناطق مختلفة لتحقيق العدالة النسبية والنزاهة الموضوعية؛
14- ضرورة تحفيز
أعضاء لجن التحكيم معنويا وماديا وماليا من أجل تشجيعهم على العطاء والتفاني لخدمة
المسرح كيفما كانت هويته أو الجهة المنظمة له؛
15- احترام نتائج
لجن التحكيم المبررة أيما احترام خاصة إذا ذيلت هذه النتائج بتقرير علمي ونقدي
موضوعيين، وينبغي عدم الطعن فيها إلا إذا كانت غير مبررة ومفسرة.
تلكم هي معايير التقويم والاحتكام من أجل إنصاف الفرق والنوادي المشاركة في التظاهرات المسرحية الصغرى والكبرى بعروضها الدرامية المتنوعة لنيل رضى الجمهور الراصد ورضى أعضاء لجنة التحكيم المختارة والمنتقاة بدقة محكمة.
ونتمنى من جميع الوزارات والجمعيات والنوادي والهيئات والمؤسسات الثقافية والفنية التي تهتم بالتنشيط المسرحي والتثقيف الدرامي أن تأخذ بهذه المعايير الفنية والجمالية لتعميمها على جميع لجن التحكيم التي تشارك في المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية والعربية والدولية لمسرح الطفل والمسرح المدرسي ومسرح الشباب ومسرح الهواة والمسرح الجامعي ومسرح الكبار والمسرح الاحترافي من باب التقنين والضبط والاسترشاد والاستئناس ليس إلا. والحد ، بالتالي، من كل أنواع الفوضى العارمة غير المقننة في مجال التقويم المسرحي ونقد العروض الدرامية بسبب شساعة التباين النظري الذي يقع بين أعضاء لجن التحكيم نظرا لتعدد معايير التنقيط والتقويم واختلاف المرجعيات النظرية والتطبيقية والمعرفية بين السادة المحكمين.
ومن هنا، فهذه المعايير المقترحة تحد نسبيا من هوة الاختلاف بين أعضاء لجن التحكيم، وتوحد بين رؤاهم الجمالية والفنية والفكرية في تقييم الفرجة الدرامية.
ب - نقد العروض المسرحية:
قدمت في المهرجان الجهوي السادس لمسرح الشباب بتازة مجموعة من العروض الدرامية تفاوتت في الجودة المسرحية كما تباينت على المستوى النوعي نظريا وتطبيقيا.
وإليكم – أيها القراء الأعزاء- تقريرا مفصلا حول عروض المهرجان ليس من وجهة نظر اللجنة العلمية المحترمة التي أكن لها كامل الحب والتقدير والاعتزاز، بل من وجهتي الشخصية المتواضعة.
ومن المعلوم أن الأستاذ القدير أحمد العشوشي قد تحفظ على النتائج التي انتهينا إليها بالأغلبية الديمقراطية بسبب اختلاف الرؤى النظرية والمعرفية بين أعضاء لجنة التحكيم لتنوع مشاربهم الفكرية والجمالية و تباين خلفياتهم المعرفية حول المسرح نظريا وتطبيقيا.
1- مسرحية:" من حبة قبة" والاحتفالية المتجددة:
عرض نادي الأقنعة لمسرح الشباب تازة مسرحية بعنوان:" من الحبة قبة" ، وهي من تأليف الكاتب السوري عبد الرحمن حمادي، ودراماتورجية الأستاذ نور الدين بنكيران وعبد الحق بوعمروإخراج نور الدين فرينع.
تتناول المسرحية بطريقة إيحائية ورمزية بعيدا عن التقريرية والمباشرة المشاكل التي يعاني منها الدوار الشعبي في ظل النظام السياسي الجائر القائم على الظلم والحيف والاستبداد المطلق واستغلال الطبقات الشعبية المقهورة.
كما ترصد المسرحية مجموعة من المشاهد الدارمية كمشهد الحلقة الذي يعد بمثابة محاكمة صارخة لسياسة الجور والعسف وانتهاك حقوق الإنسان، ومشهد المحاكمة الساخرة التي تعبر عن تفشي الرشوة وانبطاح السلطة وتفسخ القيم الأخلاقية وانحطاط المجتمع، ومشهد الصراع الذي قد تأجج بين جحا والشاوي حول رائحة الشواء ليجد أنفسهما بين مخالب العدالة الواهمة،ومشهد الحاكم المخنث الذي سلم زمام الحكم للمفسدين من أعوان السلطة ليعيثوا في الدوار فسادا واستغلالا ، دون أن ننسى أيضا مشهد التأمر على الحاكم ، ومشهد الانتخابات المزورة، ومشهد المقدم في تغزله الفاحش بالمرأة المحصنة بله عن مشاهد جزئية كمشهد السحر والشعوذة، ومشهد الصراع بين أبناء الدوار.
عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح
توطئــــة:
نظم المغرب بمدينة تازة المهرجان الجهوي السادس لمسرح الشباب عن الجهة الشرقية الشمالية والوسطى، وقد دامت هذه التظاهرة المسرحية الرائعة ثلاثة أيام من 27 فبراير إلى غاية 1مارس من سنة 2009م.
هذا، وقد شاركت عشرة نواد في هذا المهرجان من مختلف مدن الجهة الشرقية وهي: الناظور، والحسيمة، وبركان، ووجدة، وفجيج، وجرادة، وتازة، وتخلفت مدينة تاوريرت.
أما الفرق والنوادي المسرحية التي قدمت عروضها المسرحية في دار الشباب أنوال بمدينة تازة فهي:
1- نادي البحث والتشخيص المسرحي بمدينة تازة بمسرحية :" مشاهدات صعلوك"؛
أما لجنة التحكيم فكانت تتكون من السادة الأساتذة الدكتور جميل حمداوي، والحسن ياسين، وعادل الزبادي، ومحمد بلخضير، وأحمد العشوشي.
وقد انتهى هذا المهرجان الجهوي الناجح بتأهيل نادي الأقنعة لمسرح الشباب بتازة عن مسرحية:" من الحبة قبة".
أ- معايير التقويم:
يثير تقويم العروض المسرحية ضمن الإقصائيات الإقليمية والجهوية والوطنية والعربية والدولية كثيرا من الصعوبات والمشاكل بين أعضاء لجن التحكيم على مستوى التنقيط والتقدير والتقييم بسبب التفاوت العلمي والتجربة الاحترافية واختلاف المرجعيات النظرية والتطبيقية التي ينطلق منها المحكمون المشاركون في انتقاء أفضل العروض الدرامية واختيار أجودها. وقد يترتب عن هذا الاختلاف العلمي والمنهجي الوقوع في مفارقات ترجيحية وتناقضات في التفضيل والتقييم؛ مما يسبب لدى المشاهدين والفرق المشاركة بلبلة ولبسا واضطرابا في معرفة الصواب من الخطإ والحقيقة من التيه والضلال.
لذا، ارتأينا تحديد منهجية إجرائية للعمل النقدي والتقويم الدرامي السليم والمتمثلة في مجموعة من المعايير العلمية والضوابط المحكمة التي تحد من الذاتية المفرطة والأهواء الانفعالية الخاصة والرغبات الدفينة لدى أعضاء لجن التحكيم في مجال المسرح.
هذا، وقد استقينا هذه المعايير المنهجية المحكمة من تاريخ الإخراج الدرامي قديما وحديثا، وبلورناها في شكل قواعد عامة ينبغي الانطلاق منها استرشادا وتوجيها لكي يكون حكمنا التقييمي علميا ونزيها وموضوعيا يتفق حولها المحكم والممثل والمخرج والمشاهد والإداري والناقد على الرغم من أن الحقيقة في مجال المعارف والعلوم والآداب والفنون نسبية ليس إلا.
وتتمثل معايير التقويم والانتقاء واختيار أجود العروض المسرحية في المرتكزات والقواعد الضابطة التالية:
1- الفرجة الشاملة أو المتكاملة التي تتمثل في توظيف جميع مقومات الفن المسرحي من رقص وموسيقا وإضاءة وشعر وسرد وكوليغرافيا وميم وبانتوميم، باختصار الدعوة إلى المسرح الشامل مادام المسرح أب الفنون جميعا...؛
ويقصد بهذا الأمر ضرورة الالتزام بغلاف زمني مسرحي يقترب من الساعة زيادة ونقصا بالنسبة لمسرح الشباب ومسرح الطفل والمسرح المدرسي ، والتقيد بظرف ساعتين بالنسبة لمسرح الكبار والمحترفين؛
13- التركيز على المواضيع الهامة والجادة التي تحمل رسالة تربوية وإنسانية وأخلاقية بعيدة عن العرقية والشوفينية والتطرف وإذكاء النعرات الضيقة؛
ولكي تكون لجنة التحكيم لجنة علمية مقبولة لتمارس اختصاصاتها التقويمية إبان الإقصائيات المحلية والجهوية والوطنية والعربية والدولية والتظاهرات المسرحية لابد أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط والمواصفات والمميزات الضرورية التي يمكن حصرها في الشروط و الضوابط التالية:
1- أن يكون عضو التحكيم حاصلا على شهادة عليا في مجال المسرح والدراما؛
تلكم هي معايير التقويم والاحتكام من أجل إنصاف الفرق والنوادي المشاركة في التظاهرات المسرحية الصغرى والكبرى بعروضها الدرامية المتنوعة لنيل رضى الجمهور الراصد ورضى أعضاء لجنة التحكيم المختارة والمنتقاة بدقة محكمة.
ونتمنى من جميع الوزارات والجمعيات والنوادي والهيئات والمؤسسات الثقافية والفنية التي تهتم بالتنشيط المسرحي والتثقيف الدرامي أن تأخذ بهذه المعايير الفنية والجمالية لتعميمها على جميع لجن التحكيم التي تشارك في المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية والعربية والدولية لمسرح الطفل والمسرح المدرسي ومسرح الشباب ومسرح الهواة والمسرح الجامعي ومسرح الكبار والمسرح الاحترافي من باب التقنين والضبط والاسترشاد والاستئناس ليس إلا. والحد ، بالتالي، من كل أنواع الفوضى العارمة غير المقننة في مجال التقويم المسرحي ونقد العروض الدرامية بسبب شساعة التباين النظري الذي يقع بين أعضاء لجن التحكيم نظرا لتعدد معايير التنقيط والتقويم واختلاف المرجعيات النظرية والتطبيقية والمعرفية بين السادة المحكمين.
ومن هنا، فهذه المعايير المقترحة تحد نسبيا من هوة الاختلاف بين أعضاء لجن التحكيم، وتوحد بين رؤاهم الجمالية والفنية والفكرية في تقييم الفرجة الدرامية.
ب - نقد العروض المسرحية:
قدمت في المهرجان الجهوي السادس لمسرح الشباب بتازة مجموعة من العروض الدرامية تفاوتت في الجودة المسرحية كما تباينت على المستوى النوعي نظريا وتطبيقيا.
وإليكم – أيها القراء الأعزاء- تقريرا مفصلا حول عروض المهرجان ليس من وجهة نظر اللجنة العلمية المحترمة التي أكن لها كامل الحب والتقدير والاعتزاز، بل من وجهتي الشخصية المتواضعة.
ومن المعلوم أن الأستاذ القدير أحمد العشوشي قد تحفظ على النتائج التي انتهينا إليها بالأغلبية الديمقراطية بسبب اختلاف الرؤى النظرية والمعرفية بين أعضاء لجنة التحكيم لتنوع مشاربهم الفكرية والجمالية و تباين خلفياتهم المعرفية حول المسرح نظريا وتطبيقيا.
1- مسرحية:" من حبة قبة" والاحتفالية المتجددة:
عرض نادي الأقنعة لمسرح الشباب تازة مسرحية بعنوان:" من الحبة قبة" ، وهي من تأليف الكاتب السوري عبد الرحمن حمادي، ودراماتورجية الأستاذ نور الدين بنكيران وعبد الحق بوعمروإخراج نور الدين فرينع.
تتناول المسرحية بطريقة إيحائية ورمزية بعيدا عن التقريرية والمباشرة المشاكل التي يعاني منها الدوار الشعبي في ظل النظام السياسي الجائر القائم على الظلم والحيف والاستبداد المطلق واستغلال الطبقات الشعبية المقهورة.
كما ترصد المسرحية مجموعة من المشاهد الدارمية كمشهد الحلقة الذي يعد بمثابة محاكمة صارخة لسياسة الجور والعسف وانتهاك حقوق الإنسان، ومشهد المحاكمة الساخرة التي تعبر عن تفشي الرشوة وانبطاح السلطة وتفسخ القيم الأخلاقية وانحطاط المجتمع، ومشهد الصراع الذي قد تأجج بين جحا والشاوي حول رائحة الشواء ليجد أنفسهما بين مخالب العدالة الواهمة،ومشهد الحاكم المخنث الذي سلم زمام الحكم للمفسدين من أعوان السلطة ليعيثوا في الدوار فسادا واستغلالا ، دون أن ننسى أيضا مشهد التأمر على الحاكم ، ومشهد الانتخابات المزورة، ومشهد المقدم في تغزله الفاحش بالمرأة المحصنة بله عن مشاهد جزئية كمشهد السحر والشعوذة، ومشهد الصراع بين أبناء الدوار.
وعلى
الرغم من الطابع الواقعي الاجتماعي للمسرحية، فإنها تنطلق من مرجعية سياسية رمزية
حيث يدين فيها الكاتب الأنظمة العربية المتخلفة المطلقة التي تعمل على تأجيج
الصراع بين الطبقات الشعبية من أجل التحكم فيها استغلالا واستبدادا.
وتجسد المسرحية في طياتها كذلك مجموعة من التناقضات الجدلية التي يعاني منها المواطن العربي في صراعه ضد السلطة والمخزن.
ومن ثم، فقد صيغت هذه المسرحية في قالب الاحتفالية المتجددة أو الجديدة التي يمثلها كل من الدكتور محمد الوادي، ومحمد بلخضير، ونور الدين فرينع ، ومحمد البلهيسي...
وترتكز هذه الاحتفالية المتجددة على مجموعة من التقنيات الميزانسينية والتصورات الإخراجية كتوظيف التراث الجمالي، وتشغيل نوادر جحا، والتركيز على الحكي الساخر والسرد القصصي والإخباري، واستثمار فن الحلقة، واستعمال تقنية الراوي التراثي والبراح الشعبي والـﯖوال كما عند الفنان الاحتفالي الجزائري المرحوم عبد القادر علولة، وتكسير الجدار الرابع بالطريقة البريختية، والتلاعب بالأمكنة المتناقضة والتأشير على جدلية الماضي والحاضر على غرار مسرحيات عبد الكريم برشيد، والاستعانة بمجموعة من الوسائط الموسيقية كتوظيف الملحون وإيقاع ﯖناوة وتشغيل آلة الهجهوج ...
وقد استطاعت المسرحية أن تحقق متعة التلقي الجمالي والاشتباك الدرامي مع الجمهور بواسطة الإثارة السحرية ، والتركيز على الإدهاش الاحتفالي ، واستعمال اللغة الشعبية ذات التعابير المسكوكة الموحية ، وتوظيف السينوغرافيا التراثية الجذابة ، والانطلاق من الفرجة الشاملة القائمة على صهر جميع الأجناس الأدبية والفنية في بوتقة مشهدية متكاملة، والاعتماد على الانسجام الجماعي القائم على الإيقاع السريع.
وتستند المسرحية إلى توظيف الأزياء التراثية الباروكية وخاصة الطرابيش المتعلقة بفن البساط ، والاهتمام بالماكياج الملون المعبر للدلالة على مجموعة من السياقات الجدلية التي تعكس لنا الصراع الجدلي بين الشعب والسلطة، بله عن استخدام العمارة المغربية الأصيلة في تشكيل الديكور الثابت والمتنقل، والتأرجح بين خفة الممثل وتخنث المشخص، والانتقال من الجد إلى الهزل، ومن المواقف الحزينة الصارمة إلى الفكاهة الكوميدية الضاحكة.
وغالبا ما يتغير الديكور في العرض المسرحي بتغير الإضاءة المشهدية واستخدام الموسيقا الاشتباكية التنسيقية، كما تتغير المشاهد من خلال الاستناد إلى تقنية الراوي الحاضر والمغيب ، والاعتماد على التركيب المعماري الدائري القائم على معمارية الحلقة المعروفة بدائريتها.
هذا، وتتسم السينوغرافيا بالطابع الاحتفالي الوظيفي ، والمزج بين الأصالة والمعاصرة. ومن هنا، فالمسرحية تنحو منحى التأصيل والبحث عن الهوية الذاتية والكينونة الحقيقية بعيدا عن التغريب المستلب والتجريب الممسوخ والاقتباس الزائف لمدارس العبث واللامعقول.
ويلاحظ بعض الهفوات الإخراجية فيما يخص سينوغرافيا العمارة وسرعة التشخيص الأدائي التقني الخارجي الذي يتنافى مع مقومات مدرسة ستانسلافسكي أو منهجية مدرسة أستوديو الممثل ACTORS STUDIO في شخص لي ستراسبيرج التي تنبني على التأمل الذاتي والاستبطان الشعوري والارتماء بين أحضان الصمت تارة والارتجال تارة أخرى، أوالتوقف عن الكلام والحركة معا، والاهتمام بالأفكار واستدعاء المشاعر الداخلية للشخصية، والبحث عن الصدق والحقيقة عبر المعايشة الصادقة للدور بعيدا عن التكلف والتصنع ولعب الدور من الخارج للتأثير على المتفرج ودغدغته فنيا وعاطفيا وذهنيا وحركيا.
كما تستند منهجية المدرسة أيضا على إعداد الممثل بأسلوب يقوم بالأساس على الذاكرة الانفعالية وتحليل الشخصية والاعتماد على الارتجال وتشغيل الحوار مع الذات استبطانا ومناجاة وتأملا.
لكن المخرج نور الدين فرينع لم يرد الأخذ بتعليمات ستانسلافسكي ولا بمنهجية أستوديو الممثل، بل أخذ بمنهجية الأداء الخارجي مع إمتاع الجمهور بسحر الكلمة وروعة الموسيقا وجمالية التراث.
وعلى أي حال، فالمسرحية ناجحة من حيث الإخراج والتمثيل والانسجام الجماعي، ومن حيث الانطلاق أيضا من رؤية فلسفية أصيلة تتجلى في التمسك بالاحتفالية المتجددة التي يمثلها في تازة القطبان البارزان محمد البلهيسي ومحمد بلخضير.
لذا، فهذه المسرحية ناجحة بكل مقاييس النجاح ، وتستحق منا كل الإشادة والتنويه بسبب جودة الإخراج وسحر السينوغرافيا التراثية وروعة التشخيص التقني الخارجي القائم على تطبيق تعاليم المدرسة الفرنسية ( ديلسارتيه) عن وعي أو غير وعي.
2- مسرحية:" مشاهدات صعلوك" والقالب الواقعي الرومانسي:
ترصد مسرحية" مشاهدات صعلوك" انبطاح الإنسان المشرد في عالم تغيب فيه القيم الأصيلة، وتسود فيه القيم الكمية والمادية، فتعلو فيه سلطة القوة والمال؛ مما يترتب عن ذلك انعدام حقوق الإنسان والحيوان على حد سواء.
ومن هنا، فالشخصية الرئيسة في العرض عبارة عن صعلوك مشرد يعاني من الحرمان والضياع والفقر والبؤس والاغتراب الذاتي والمكاني، ولا يملك سوى قوته التي يستعملها ضد المتجبرين، ومخدع هاتفي ينام فيه سعيدا حينما يطرده الغير الطاغي بقذارة وقسوة.
بيد أن هذا الصعلوك المشرد سيغير دوره فيصير رجل سلطة عندما يتنازل له الشرطي المتعب عن ملابسه وسلطته و مسدسه من أجل أن يتحول إلى صعلوك مقابل الحصول على الراحة التي كان ينعم بها الصعلوك في مخدعه.
لكن الصعلوك المشرد لن يحترم حدود السلطة وقوانينها، بل سيستخدمها بشطط وفي غير معناها الحقيقي، فيقضي مآربه الغزيزية والشبقية. ثم ، يرتكب في الأخير جريمة قتل مقابل المال، سيورط فيها الشرطي المقهور الذي وجد نفسه أمام واقعة مأساوية كان فيها السبب بسبب تقاعسه وتماطله وإهماله وعدم أداء واجبه كما ينبغي.
وتتضمن المسرحية مجموعة من المشاهد الدرامية التي يمكن حصرها في المتواليات البصرية التالية:
· مشهد الصعلوك المطرود.
· مشهد الشرطي الذي يثور على آدميته وكينونته وواقعه المهني.
· مشهد العراك بين الصعلوك ورب المطعم.
· مشهد الشرطي والصعلوك.
· مشهد الصعلوك الذي تحول إلى شرطي وهو داخل المطعم.
· مشهد الحب والعشق.
· مشهد صاحب المطعم والشرطي.
· مشهد الارتشاء والخطر المرتقب.
· مشهد الجريمة.
· مشهد التحسر والبكاء والتفجع.
وعليه، تثور هذه المسرحية ذات الطرح الواقعي الاجتماعي على قيم الواقع المهترئة وتناقضاته الجدلية المتفسخة التي تتمثل في الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي وهيمنة سلطة القوة والمال على مجاريات الواقع . كما يجسد العرض جدلية السيد والعبد في إطار تراجيدي مأساوي يوحي بملامح الكوميديا السوداء.
وتتخلل المسرحية لقطات رومانسية عاشقة عبر إضاءة لونية حمراء تحيل على حرارة الحب وحافز الغريزة الجنسية والاشتباك الكوليغرافي الإيروسي والشبقي.
والمسرحية كما هو معلوم من تأليف عبد الكريم برشيد وإخراج جلال الشايب ورشيد منصور، وتشتغل على تقنيات مدرسة أستوديو الممثل من خلال احترام لغة الصمت والالتجاء إلى السكوت والتوقف المشهدي والبطء في تأزيم الإيقاع الدرامي وتوتيره بالإضافة إلى تقمص الأدوار اندماجا ومعايشة كما لاحظنا ذلك عند الشرطي في المشهد الأخير بعد إحساسه بالندم والخطيئة، ومشهد صاحب المطعم الذي كان يؤدي دوره وجدانيا من الداخل.
لكن الشخصيات الأخرى كانت تنجز أدوارها التشخيصية من الخارج ، ولم تتمثل تعليمات ستانسلافسكي أو لي ستراسبيرج بشكل جيد، فكانت مواقفها أدائية وتقنية خارجية تنقصها الحرارة الاشتباكية والدفء الدرامي.
ويلاحظ أن المخرج قد أحسن صقل العرض وخياطته أحسن خياطة من خلال التركيز على الممثل وجودة التشخيص، وإن كان المخرج لم يفلح إلى حد ما في تطبيق قواعد المنهجية الأمريكية أحسن تمثل.
هذا، وقد استعمل العرض سينوغرافيا وظيفية بأبعادها الواقعية والرومانسية ، وإن كانت رقعة الفضاء الركحي ضيقة بسبب فوضى التأثيث التي كانت تعرقل انتقالات الممثلين فوق الخشبة.
ومن أحسن الصور السينوغرافية في المسرحية صورة مخدع الهاتف الذي يتحول إلى مكان للإيواء في الليل، وصورة القطع المركبة التي تؤدي وظائف سينوغرافية متنوعة.
ويلاحظ أن العرض تفوق على باقي عروض المهرجان على مستوى السينوغرافيا المشهدية بسبب أناقة الديكور وكثرة وحداته ومكوناته الأيقونية والسيميائية.
أضف إلى ذلك أن العرض المسرحي كان ينتقل من سينوغرافيا واقعية إلى سينوغرافيا شاعرية من خلال تقديم المشاهد الرومانسية الإيروسية الساحرة. وكان تغيير الديكور يخضع لمنطق الموسيقا التصويرية والتنسيقية بعيدا عن الصخب و الهرج الإيقاعي.
كما شغل العرض لغة فصحى مهجنة بالعامية القدحية على غرار لغة سارتر في مسرحياته العابثة، وإن كانت لغة الصعلوك مليئة بالأخطاء النحوية وتعابير السب والشتم اللاأخلاقية التي تتنافى مع أهداف مسرح الشباب.
وعليه، فمسرحية" مشاهدات صعلوك" تتميز بجودة الإخراج وحسن التشخيص وروعة السينوغرافيا ، إلا أن الموضوعين: الواقعي والرومانسي اللذين اعتمدت عليهما المسرحية أصبحا اليوم متجاوزين مادمنا نعبر عنهما بطريقة مباشرة تقريرية تستخدم فيهما المحاكاة الفنية المرآوية ، ناهيك عن الإكثار من المنولوجات الرتيبة والمملة، والتركيز على الممثل القطب ( الشرطي الصعلوك) ، وتضييق الخشبة L'ESPACE SCENIQUE بكثرة الأثاث والقطع المادية التي كانت تعرقل التواصل الحركي للمثلين.
3- مسرحية " ثيارجا برا ثيري/ حلم بلا ظلال" روعة النص والإخراج:
قدم نادي إصفظاون لمسرح الشباب أزغنغان مسرحية" ثيرجا برا ثيري- حلم بلا ظل" من تأليف: عبد الله أنس، وإخراج أحمد علاوي والطيب المعاش.
تتسم هذه المسرحية بطابعها التجريدي الرمزي على غرار مسرحية" تشومعات/ الشمعة" لعبد الواحد الزوكي ومسرحية " ثيوجيرت/ اليتيمة" لمحمد بن سعيد وعروض المسرح الحسيمي التجريدي الذي أرسى دعائمه في منطقة الريف المخرج القدير شعيب المسعودي.
ويعني هذا أن مسرحية" ثيرجا برا ثيري" ليست مسرحية عادية أو مباشرة كمسرحية " نساء الزابوق" ، بل هي مسرحية حداثية تنحو منحى التجريب والتحديث، وتحمل علامات سيميائية مفتوحة وموحية، ولايمكن فهمها إلا من قبل الذين يستطيعون تفكيك العلامات البصرية السيميائية الدرامية سواء أكانت لفظية أم غير لفظية.
هذا، وتبتدئ المسرحية بتكسير الجدار الرابع واستثمار تقنيات بريخت في تشغيل المرويات السردية واستثمار الأشعار واعتماد المنولوجات المباشرة قصد التواصل مع الجمهور. كما استندت المسرحية إلى توظيف تقنية الراوي le chœur اليوناني لسرد القصة وتمطيطها عبر مشاهد فرجوية تم تجسيدها من قبل الممثلين الرئيسيين بطريقة ميزانسينية حركية وجسدية فوق الركح.
وبعد خروج الراوي من وسط الخشبة الدرامية، يدخل الممثلون الأقطاب إلى الركح ليقدموا مسرحية العبث والضياع والصراخ والاحتجاج في قالب مأساوي يقوم على الباروديا والتهجين والسخرية من الواقع الموبوء بالقيم المنحطة والمفلس أخلاقيا والمنبطح على جميع البنى والمستويات المادية والذهنية . وقد أحسن الممثلون اختيار التموقع التواصلي المناسب فوق الخشبة وسطا ويمنة ويسرة، فاختاروا المثلث الدرامي لتقديم فرجتهم البصرية مع الانتقال مرة إلى الخشبة الخلفية أو إلى الخشبة الأمامية للتواصل مع الجمهور أو تغيير المشاهد والمواقف مستخدمين في ذلك الديكور الوظيفي المركب.
هذا، وتعرض المسرحية من خلال بنيتها الكوليغرافية الرائعة موضوعا فلسفيا ذهنيا يتمثل في البحث عن الحقيقة من خلال الانتقال من حلم إلى آخر ولكن بدون جدوى؛ مما يوقع الباحث في معاناة إنسانية وشقاء تراجيدي.
وقد ساهمت ثنائية الظلمة والنور في تأجيج صراع الخير والشر والسعادة والشقاء لتعكس في الأخير عالما سرياليا يتداخل فيه الوعي واللاوعي والشعور واللاشعور والماضي والحاضر والعقل والطيش.
كما تصور المسرحية ولادة الإنسان الذي احتضنته الأحلام الناعمة ليجد الحالم نفسه في الأخير بين أثداء الأمل ومخالب اليأس، فيسقط المحضون الشقي صريع السخرية والمفارقة الكونية وتناقضات الواقع المنحط.
وترد هذه المسرحية الفلسفية في قالب سوداوي تراجيدي يقوم على فلسفة الجنون والضحك والعبث، ويذكرنا هذا العرض في تجلياته الكبرى وتقاسيمه الفنية وملامحه التشخيصية بمسرح اللامعقول أو بمسرح العبث الغربي كما لدى صمويل بيكيت ويونيسكو وأرابال وصمويل بيكيت وألفرد جاري.
ومن الأدلة المحيلة على عبثية العرض المسرحي اللجوء إلى خطاب الصمت والصراخ، واستعمال الضحك بشكل جنوني هستيري ، وتشغيل الكوليغرافيا الرمزية المجردة، واستعمال بيوميكانيك رمزية تعبر عن سيزيفية الإنسان المستلب في واقعنا الرقمي المشيإ، وتصوير مدى انسحاقه أمام متاريس السلطة اللعينة، والإحساس بالغرابة والوحدة وضياع الحقيقة كما يدل على ذلك الكرسي الذي يحيلنا على مسرحية" الكراسي" ليونيسكو.
وقد يبدو للبعض من المشاهدين الذين لايفهموم إلا الظاهر من الفرجة الدرامية، وقد عود نفسه طويلا على رؤية المسرحيات الكلاسيكية التاريخية أو الواقعية أو الرومانسية ، أن النص مشتت ومبعثر وغير مفهوم. بيد أن الحقيقة عكس ذلك، فالنص واضح بعلاماته الرمزية والسيميائية التي تستوجب تفكيك شفرات الممثلين وتحليل إرسالياتهم المتبادلة التي كانت تنسج ثنائية البياض والسواد. وتعكس هذه الثنائية المتقابلة دلاليا تمزق الإنسان المعاصر في ظل أنظمة الجور والظلم مع العزف دراميا على سيمفونية الألم والأمل والنقر على إيقاع جدلية الحاضر والمستقبل.
وتطفح المسرحية بمجموعة من التقنيات الإخراجية الممتعة كتشغيل الجسد سيميائيا وتجريديا، وتوظيف الموروث الأمازيغي الذي يتمثل في أغنية إمذيازان، واستخدام تقنية الكروتيسك والبيوميكانيك، والتركيز على الممثل القطب الذي يتمثل في عبد الله أنس الذي يعد من أحسن الممثلين بمنطقة الريف إلى جانب طارق العاطفي ومصطفى بنعلال والطيب المعاش ومحمد عليلوش وآخرين.
ومن حسنات هذا الممثل الجاد أنه يلعب بجسده جيدا، ويطوعه فنيا وجماليا ضمن مختلف الصيغ والأشكال الكوليغرافية كيفما يشاء بطريقة وظيفية وممتعة وهادفة، وينتقل فوق خشبة المسرح انتقالا مضبوطا ومحكما، ويتقن التمثيل دراية وعشقا وحبا ومعايشة .
لكن المخرج لم يحقق الانسجام الجماعي بسبب تركيزه على الممثل القطب وإهماله للمثلين الآخرين، وإن كانت الممثلات قد أدين الكوليغرافيا أداء رائعا وجيدا بسبب تدريبات الفنان القدير الطيب المعاش.
كما أظهر أحمد علاوي والطيب المعاش في عرضهما المسرحي هذا قدرات إخراجية معتبرة ستجعلهما - إن شاء الله- من المخرجين المتميزين بمنطقة الريف عاجلا أو آجلا ماداما قد اتجها نحو التجريب والانزياح الحداثي ، فتجاوزا الأنماط الواقعية والتاريخية المستهلكة كما نجد ذلك واضحا لدى بعض مخرجي منطقة الريف كفخر الدين العمراني وفاروق أزنابط وعمرو خلوقي وماجدة بناني على سبيل التمثيل.
لكن لابد لهذين المخرجين من التفكير في قضية التأصيل من خلال البحث عن الهوية الأمازيغية والكينونة المحلية بالنبش في التراث الأمازيغي وفرجاته اللعبية وأشكاله الاحتفالية الفطرية وتشغيل أنماطه الموسيقية والفلكلورية بشكل جيد وممتع.
وعليه، فمسرحية " ثيرجا بلا ثيري" مسرحية فلسفية تجريدية رمزية تطرح تيمة العبث والأحلام المقهورة في قالب تراجيدي احتجاجي فلسفي، كما تزاوج بين الفائدة المعرفية والمتعة الفنية. لذا، استطاعت هذه المسرحية أن تنجح في توظيف بعض المؤثرات الصوتية والضوئية المناسبة.
وعلى الرغم من بعض الملاحظات الوجيهة التي تتعلق بالممثل القطب والإكثار من التجريب التجريدي على حساب التأصيل الأمازيغي فرجة وتراثا وأداء، فإن المسرحية ناجحة بكل مقاييس النجاح ، وتستحق منا كل التنويه والإشادة بسبب طابعها التجريبي الحداثي وخروجها عن القالب المسرحي الكلاسيكي المعتاد والمألوف الذي هيمن لفترة طويلة على المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف.
4- مسرحية:" ثوارث إيمظران" والانزياح الرمزي:
عرض نادي تيفاوين لمسرح الشباب بالحسيمة مسرحية أمازيغية بعنوان:" ثاوارث ءيمظران/باب القبور " ، و المسرحية من تأليف عبد العزيز إبراهيمي، وإخراج الثنائي المسرحي: محمد بنسعيد وأحمد أجويني.
و إذا كانت مسرحية " ثاواث ءيمظران/ باب القبور" من خلال عنوانها تحمل أبعادا جنائزية وتراجيدية تؤشر على الموت ونهاية الحياة، وتفلسف اللون الأبيض في أبعاده السوداء، فإن العرض يشير في دلالاته السطحية إلى فضاء الولي الصالح " سيدي شعيب ءاونفتاح" الذي صيغت حوله أساطير كثيرة تجمع بين التصوف والخرافة. وقد بالغ أهل الريف في تقديس هذا الشخص حتى أصبح رمزا للشفاء والعلاج ومداواة النفوس والأمراض العضوية. وارتحل إليه الناس من كل صوب يستغيثون به استعطافا وتقديسا ، ونزلوا إليه من كل حدب يتبركون به تطهيرا واستجداء حتى أصبح رمزا طقوسيا في الذاكرة الجمعية للريفيين الأمازيغ.
وعلى الرغم من هذه الدلالات الطقوسية، فإن المسرحية سقطت في الإبهام والغموض والانزياح الدلالي، إذ يصعب جدا اقتناص الدلالات التي ترتكز عليها حبكة العرض وخطاطتها الدراماتورجية.
وعلى الرغم من خاصية الإبهام والتجريد الدلاليين، فإنه من الممكن بواسطة تفكيك بعض المؤشرات الكوليغرافية واللغوية فهم وتركيب بعض دلالات العرض المسرحي الذي قدم فوق خشبة المركب الثقافي بالناظور وحصرها مضمونيا في إدانة الفرجة الدرامية للإنسان الأمازيغي الذي ظل حبيس الصمت والموت و الخرافة والسجال الكلامي والقول السلبي، والذي لم ينتقل بعد إلى الممارسة الميدانية والفروسية الواقعية والفعل الثوري النضالي والپراكسيس التغييري.
هذا، وتبتدئ المسرحية بكوليغرافيا الصراع لتنتهي بكوليغرافيا التصالح والتوافق وتأسيس وحدة الانسجام و الالتئام والأخوة. كما تدل جدارية المسرحية على جدلية الأسود والأبيض التي تنم عن صراع سيزيفي تراجيدي بين الحزن والفرح ، وبين الألم والأمل، والتأرجح بين العبودية والحرية سواء على المستوى الروحي أم المادي.
وتتحدث هذه المسرحية عن الإنسان الأمازيغي الذي يعاني من الضياع والتهميش والإقصاء والتهجير وتدمير هويته وإبعاده من أرضه مع امحاء كينونته الأصيلة وإغراقه في الأساطير والخرافات. لذا، يثور العرض المسرحي على التواكل السلبي والفكر الخرافي الأسطوري وتضييع الأمازيغيين وقتهم الثمين في الصراعات التافهة والسجال الجدلي بدلا من العمل والتنفيذ وأجرأة القرارات. كما يدين العرض المسرحي فكرة الهروب والتشتت والتمزق والانتهازية والفكر البراگماتي والهجرة إلى الخارج باعتبار هذا الفعل حلا واقعيا للمشاكل التي يعاني منها الإنسان الأمازيغي.
وتحضر الهوية الأمازيغية والدعوة إلى التشبث بالكينونة المحلية الأصيلة للإنسان الأمازيغي عبر العلامات السيميوطيقية التي يتأثث بها الركح والإكسسوارات التي يشغلها الممثلون و المعبرة عن هذه الكينونة المهمشة.
وتعبر الرقصات الكوليغرافية والحركات الآلية البيوميكانيكية الموظفة من قبل الممثلين فوق الركح الدرامي عن القلق والصراع الجدلي والتمزق النفسي والضياع الذي يعاني منه الإنسان الأمازيغي. وتحضر المرأة الأمازيغية لتحرض الزوج على الفعل الثوري والعمل الإجرائي وتغيير الكائن السائد من أجل استبداله بالممكن ، واستشراف المستقبل السعيد والأمل المنشود بدلا من الارتكان إلى الصمت والعزلة السلبية والهروب غير المبرر، والاستمناء بالتخريف والأسطرة المميتة.
والحل للخروج من هذه الأزمات الإنسانية والتخلص من هشاشة الواقع الأمازيغي هو أن نخرج من قبورنا لنفتح أبواب الحياة والمستقبل، وأن ننهض من موتنا التراجيدي ونمزق وعي التخريف الاستلابي عن طريق التعلم والنضال والتغيير الثوري، أي ننتقل من الوعي الشقي وعي التوحش والأسطورة والفكر الغيبي الميتافيزيقي إلى الوعي العلمي العملي ، وعي الممارسة والصراع الجدلي من أجل بناء مستقبل أمازيغي قوامه التغيير الجدلي والنقد الذاتي والحركة الهادفة والبناء الفعال والمساهمة الإيجابية والتحديث المتنور.
وعليه، فالمسرحية سوداوية الطابع تتأرجح بين الموت والحياة، وتقف بين حد المعاناة من الآلام وحد استشراف غد الأمل الوضاح. كما تدعو المسرحية إلى الخروج من قبور الصمت والسكون والموت والتخريف والتبرك الزائف إلى حياة الفعل والحركة والتغيير وواقع الصراع الجدلي من أجل إثبات الذات والدفاع عن الهوية الأمازيغية التي ظلت لأمد طويل هوية مقصية من الحضور ومهمشة من العطاء والمساهمة الفعلية.
ونصل بعد قراءتنا لهذا العرض المسرحي أنه عبارة عن تمثيلية درامية غامضة من الصعب فهمها وتأويلها بسبب غموض النص الدرامي، ووجود ضعف في المعالجة الدراماتورجية، وركاكة في صياغة النص والعرض معا ، وكذلك بسبب تقطيع العرض إلى عدة مشاهد ومواقف سينوغرافية مبهمة غُلّب فيها الجانب الحركي والجسدي على حساب ما هو لفظي؛ مما جعل العرض يعاني من كثرة الإبهام والانزياح الدلالي وغموض الرسالة وتجريدية المقاصد المرجعية والسياقية.
يندرج هذا العرض المسرحي فنيا وجماليا ضمن المسرح الرمزي التراجيدي الذي تتخلله بعض المشاهد الكوميدية التي مسرحها الممثل الفكاهي محمد بن سعيد ، وذلك حينما أشار إلى امتساخ الرجال والنساء علاوة على تمثيله لبعض المواقف الدرامية الرومانسية الغرامية التي يبحث من خلالها عن حسناء في صالة المسرح تتزوجه . ومن ثم، يكون الممثل قد كسر الجدار الرابع وأسقط الإيهام المسرحي وأزال إسار التطهير الأرسطي .
وإذا تأملنا جدارية المسرح، فإن العرض يستند إلى ما يسمى بالمسرح الأسود الذي يطغى كثيرا في العروض المسرحية الحسيمية. كما التجأ المخرجان معا إلى تجريب مسرح التجريد ومسرح اللامعقول والامتساخ الفانطاستيكي عبر تقديم حقائق نسبية وأفكار غامضة وغير معقولة تنم عن انزياح الدلالات وإبهام المعاني. وقد تأثر هذا العرض المسرحي بأفكار وتصورات وتقنيات المخرج المسرحي شعيب المسعودي الذي يعد مؤسس المدرسة التجريدية في منطقة الريف بلا منازع، ويعد من رواد الحداثة المسرحية الأمازيغية إلى جانب نعمان أوراغ ، وسعيد المرسي، ومخرجين آخرين من الحسيمة كعبد العزيز إبراهيمي، ومحمد بنعيسى، وسعيد أبرنوص، وأحمد السمار، ومحمد گاگة...
ومن المعلوم أن المخرج محمد بنسعيد أخرج مجموعة من المسرحيات التجريدية والواقعية والرمزية والاجتماعية كمسرحية " تايوجيرت/اليتيمة"، ومسرحية" ءورار ءيمطاون/عرس الدموع"، ومسرحية " ثيمغارين ن نءوسانا/ نساء هذا الزمان"، ومسرحية" إعساسن ءيمظران/ حراس المقابر". أما أحمد أجويني فقد أخرج مع محمد بنعيسى مسرحية" زير كامپو غاثانديت ثنقراب ثحاجيت/ من البادية إلى المدينة انقلبت الحكاية". كما أخرج عبد العزيز الإبراهيمي مسرحية أمازيغية موجهة إلى الأطفال بطابع تجريدي بعنوان" آس ءامزيان/اليوم القصير". ويعني هذا التراكم المسرحي في مجال التجريد المسرحي أن مدينة الحسيمة قد أرست مدرسة جديدة في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف وهي المدرسة التجريدية السوداء المتأثرة بدورها بالمدارس الهولندية التجريدية؛ لأن شعيب المسعودي رائد التجريد في الريف من أهم المتأثرين بهذه المدرسة تطبيقا وتدريبا وسينوغرافيا وإخراجا وتمثيلا، ويعد من أهم الطلبة المتخرجين من هذه المدرسة العريقة في الفن المسرحي بأورپا الغربية تدريسا وتأهيلا وتكوينا. بينما بقي المسرح الأمازيغي بمدينة الناظور مسرحا أرسطيا بسيطا، وظل لفترة طويلة إلى يومنا هذا مسرحا كلاسيكيا وواقعيا وتاريخيا ورومانسيا دون أن يصل إلى النضج الفني والمستوى العالي الحداثي لمسرح الحسيمة باستثناء أعمال بعض المخرجين كسعيد المرسي ونعمان أوراغ.
وإذا عدنا إلى التمثيل، فإننا نلاحظ أن الممثلين والممثلات لهم دراية كبيرة بمجال التمثيل والتشخيص الكوليغرافي والانتقال فوق خشبة الركح، وينتقلون بشكل تواصلي سيميائي وظيفي خاضع لهندسة التحرك فضائيا وحركيا. ويلاحظ كذلك أن المسرحية يغلب عليها التواصل الكوليغرافي والحركات البيوميكانيكية التي تأثر فيها المخرجان بتصورات المخرج الروسي مايرخولد والبولوني گروتوفسكي.
ومن ناحية أخرى، فقد جسدت الأزياء الأمازيغية التي كان يتزيى بها الممثلون مقومات الكينونة المحلية الأصيلة وتجلياتها الحضارية والأنتروپولوجية والتاريخية. كما كان الديكور وظيفيا على الرغم من غموض رسالة بعض قطعه وإكسسواراته، وتدل أزياء بعض الممثلات وقطع الديكور والسينوغرافيا على الهوية المسيحية والكينونة المغَربة أكثر مما تدل على الهوية الأمازيغية، وظلت الجدارية المثبتة في الجدار الخلفي لوحة تشكيلية صماء بدون استنطاق ولا توضيح وبدون تأويل لفظي أو حدثي.
وإذا انتقلنا إلى إبراز مظاهر حداثة هذا العرض المسرحي، فيمكن حصرها في انعدام الفصول والمشاهد، إذ نرى هذا العرض المسرحي المشخص بصريا ولغويا كأنه حلقة سينوغرافية واحدة تتحكم فيها الإنارة إظلاما وتنويرا ، وتؤطرها صمتا و تهييجا وتحريكا. كما شاهدنا تكسير الجدار الرابع والتغريب البريختي، واستخدام المسرح الاحتفالي الأمازيغي أو الظواهر الفطرية، وتوظيف أغنية " لابويا" والرقص الأمازيغي، والكوليغرافية الصراعية في مواجهة الكوليغرافية الاندماجية الجسدية. ويتقاطع على مستوى السينوغرافيا التشكيلية اللونان: الأبيض والأسود، والثوبي والخشبي، واللفظي والبصري، والسفلي والعلوي، والماضي والحاضر، والتأصيل والتغريب.
ونستشف مما سبق أن مسرحية " ثوارث ءيمظران/ بوابة القبور" هي مسرحية انتقادية تدعو الأمازيغيين عبر رؤية تراجيكوميدية إلى الخروج من شرنقة الصمت والخمول والموت والتخريف إلى عالم الحياة حيث الحركة والصراخ والتغيير والصراع الجدلي من أجل الدفاع عن الكينونة الأمازيغية والهوية الأصيلة للإنسان الأمازيغي.
وتجسد المسرحية في طياتها كذلك مجموعة من التناقضات الجدلية التي يعاني منها المواطن العربي في صراعه ضد السلطة والمخزن.
ومن ثم، فقد صيغت هذه المسرحية في قالب الاحتفالية المتجددة أو الجديدة التي يمثلها كل من الدكتور محمد الوادي، ومحمد بلخضير، ونور الدين فرينع ، ومحمد البلهيسي...
وترتكز هذه الاحتفالية المتجددة على مجموعة من التقنيات الميزانسينية والتصورات الإخراجية كتوظيف التراث الجمالي، وتشغيل نوادر جحا، والتركيز على الحكي الساخر والسرد القصصي والإخباري، واستثمار فن الحلقة، واستعمال تقنية الراوي التراثي والبراح الشعبي والـﯖوال كما عند الفنان الاحتفالي الجزائري المرحوم عبد القادر علولة، وتكسير الجدار الرابع بالطريقة البريختية، والتلاعب بالأمكنة المتناقضة والتأشير على جدلية الماضي والحاضر على غرار مسرحيات عبد الكريم برشيد، والاستعانة بمجموعة من الوسائط الموسيقية كتوظيف الملحون وإيقاع ﯖناوة وتشغيل آلة الهجهوج ...
وقد استطاعت المسرحية أن تحقق متعة التلقي الجمالي والاشتباك الدرامي مع الجمهور بواسطة الإثارة السحرية ، والتركيز على الإدهاش الاحتفالي ، واستعمال اللغة الشعبية ذات التعابير المسكوكة الموحية ، وتوظيف السينوغرافيا التراثية الجذابة ، والانطلاق من الفرجة الشاملة القائمة على صهر جميع الأجناس الأدبية والفنية في بوتقة مشهدية متكاملة، والاعتماد على الانسجام الجماعي القائم على الإيقاع السريع.
وتستند المسرحية إلى توظيف الأزياء التراثية الباروكية وخاصة الطرابيش المتعلقة بفن البساط ، والاهتمام بالماكياج الملون المعبر للدلالة على مجموعة من السياقات الجدلية التي تعكس لنا الصراع الجدلي بين الشعب والسلطة، بله عن استخدام العمارة المغربية الأصيلة في تشكيل الديكور الثابت والمتنقل، والتأرجح بين خفة الممثل وتخنث المشخص، والانتقال من الجد إلى الهزل، ومن المواقف الحزينة الصارمة إلى الفكاهة الكوميدية الضاحكة.
وغالبا ما يتغير الديكور في العرض المسرحي بتغير الإضاءة المشهدية واستخدام الموسيقا الاشتباكية التنسيقية، كما تتغير المشاهد من خلال الاستناد إلى تقنية الراوي الحاضر والمغيب ، والاعتماد على التركيب المعماري الدائري القائم على معمارية الحلقة المعروفة بدائريتها.
هذا، وتتسم السينوغرافيا بالطابع الاحتفالي الوظيفي ، والمزج بين الأصالة والمعاصرة. ومن هنا، فالمسرحية تنحو منحى التأصيل والبحث عن الهوية الذاتية والكينونة الحقيقية بعيدا عن التغريب المستلب والتجريب الممسوخ والاقتباس الزائف لمدارس العبث واللامعقول.
ويلاحظ بعض الهفوات الإخراجية فيما يخص سينوغرافيا العمارة وسرعة التشخيص الأدائي التقني الخارجي الذي يتنافى مع مقومات مدرسة ستانسلافسكي أو منهجية مدرسة أستوديو الممثل ACTORS STUDIO في شخص لي ستراسبيرج التي تنبني على التأمل الذاتي والاستبطان الشعوري والارتماء بين أحضان الصمت تارة والارتجال تارة أخرى، أوالتوقف عن الكلام والحركة معا، والاهتمام بالأفكار واستدعاء المشاعر الداخلية للشخصية، والبحث عن الصدق والحقيقة عبر المعايشة الصادقة للدور بعيدا عن التكلف والتصنع ولعب الدور من الخارج للتأثير على المتفرج ودغدغته فنيا وعاطفيا وذهنيا وحركيا.
كما تستند منهجية المدرسة أيضا على إعداد الممثل بأسلوب يقوم بالأساس على الذاكرة الانفعالية وتحليل الشخصية والاعتماد على الارتجال وتشغيل الحوار مع الذات استبطانا ومناجاة وتأملا.
لكن المخرج نور الدين فرينع لم يرد الأخذ بتعليمات ستانسلافسكي ولا بمنهجية أستوديو الممثل، بل أخذ بمنهجية الأداء الخارجي مع إمتاع الجمهور بسحر الكلمة وروعة الموسيقا وجمالية التراث.
وعلى أي حال، فالمسرحية ناجحة من حيث الإخراج والتمثيل والانسجام الجماعي، ومن حيث الانطلاق أيضا من رؤية فلسفية أصيلة تتجلى في التمسك بالاحتفالية المتجددة التي يمثلها في تازة القطبان البارزان محمد البلهيسي ومحمد بلخضير.
لذا، فهذه المسرحية ناجحة بكل مقاييس النجاح ، وتستحق منا كل الإشادة والتنويه بسبب جودة الإخراج وسحر السينوغرافيا التراثية وروعة التشخيص التقني الخارجي القائم على تطبيق تعاليم المدرسة الفرنسية ( ديلسارتيه) عن وعي أو غير وعي.
2- مسرحية:" مشاهدات صعلوك" والقالب الواقعي الرومانسي:
ترصد مسرحية" مشاهدات صعلوك" انبطاح الإنسان المشرد في عالم تغيب فيه القيم الأصيلة، وتسود فيه القيم الكمية والمادية، فتعلو فيه سلطة القوة والمال؛ مما يترتب عن ذلك انعدام حقوق الإنسان والحيوان على حد سواء.
ومن هنا، فالشخصية الرئيسة في العرض عبارة عن صعلوك مشرد يعاني من الحرمان والضياع والفقر والبؤس والاغتراب الذاتي والمكاني، ولا يملك سوى قوته التي يستعملها ضد المتجبرين، ومخدع هاتفي ينام فيه سعيدا حينما يطرده الغير الطاغي بقذارة وقسوة.
بيد أن هذا الصعلوك المشرد سيغير دوره فيصير رجل سلطة عندما يتنازل له الشرطي المتعب عن ملابسه وسلطته و مسدسه من أجل أن يتحول إلى صعلوك مقابل الحصول على الراحة التي كان ينعم بها الصعلوك في مخدعه.
لكن الصعلوك المشرد لن يحترم حدود السلطة وقوانينها، بل سيستخدمها بشطط وفي غير معناها الحقيقي، فيقضي مآربه الغزيزية والشبقية. ثم ، يرتكب في الأخير جريمة قتل مقابل المال، سيورط فيها الشرطي المقهور الذي وجد نفسه أمام واقعة مأساوية كان فيها السبب بسبب تقاعسه وتماطله وإهماله وعدم أداء واجبه كما ينبغي.
وتتضمن المسرحية مجموعة من المشاهد الدرامية التي يمكن حصرها في المتواليات البصرية التالية:
· مشهد الصعلوك المطرود.
· مشهد الشرطي الذي يثور على آدميته وكينونته وواقعه المهني.
· مشهد العراك بين الصعلوك ورب المطعم.
· مشهد الشرطي والصعلوك.
· مشهد الصعلوك الذي تحول إلى شرطي وهو داخل المطعم.
· مشهد الحب والعشق.
· مشهد صاحب المطعم والشرطي.
· مشهد الارتشاء والخطر المرتقب.
· مشهد الجريمة.
· مشهد التحسر والبكاء والتفجع.
وعليه، تثور هذه المسرحية ذات الطرح الواقعي الاجتماعي على قيم الواقع المهترئة وتناقضاته الجدلية المتفسخة التي تتمثل في الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي وهيمنة سلطة القوة والمال على مجاريات الواقع . كما يجسد العرض جدلية السيد والعبد في إطار تراجيدي مأساوي يوحي بملامح الكوميديا السوداء.
وتتخلل المسرحية لقطات رومانسية عاشقة عبر إضاءة لونية حمراء تحيل على حرارة الحب وحافز الغريزة الجنسية والاشتباك الكوليغرافي الإيروسي والشبقي.
والمسرحية كما هو معلوم من تأليف عبد الكريم برشيد وإخراج جلال الشايب ورشيد منصور، وتشتغل على تقنيات مدرسة أستوديو الممثل من خلال احترام لغة الصمت والالتجاء إلى السكوت والتوقف المشهدي والبطء في تأزيم الإيقاع الدرامي وتوتيره بالإضافة إلى تقمص الأدوار اندماجا ومعايشة كما لاحظنا ذلك عند الشرطي في المشهد الأخير بعد إحساسه بالندم والخطيئة، ومشهد صاحب المطعم الذي كان يؤدي دوره وجدانيا من الداخل.
لكن الشخصيات الأخرى كانت تنجز أدوارها التشخيصية من الخارج ، ولم تتمثل تعليمات ستانسلافسكي أو لي ستراسبيرج بشكل جيد، فكانت مواقفها أدائية وتقنية خارجية تنقصها الحرارة الاشتباكية والدفء الدرامي.
ويلاحظ أن المخرج قد أحسن صقل العرض وخياطته أحسن خياطة من خلال التركيز على الممثل وجودة التشخيص، وإن كان المخرج لم يفلح إلى حد ما في تطبيق قواعد المنهجية الأمريكية أحسن تمثل.
هذا، وقد استعمل العرض سينوغرافيا وظيفية بأبعادها الواقعية والرومانسية ، وإن كانت رقعة الفضاء الركحي ضيقة بسبب فوضى التأثيث التي كانت تعرقل انتقالات الممثلين فوق الخشبة.
ومن أحسن الصور السينوغرافية في المسرحية صورة مخدع الهاتف الذي يتحول إلى مكان للإيواء في الليل، وصورة القطع المركبة التي تؤدي وظائف سينوغرافية متنوعة.
ويلاحظ أن العرض تفوق على باقي عروض المهرجان على مستوى السينوغرافيا المشهدية بسبب أناقة الديكور وكثرة وحداته ومكوناته الأيقونية والسيميائية.
أضف إلى ذلك أن العرض المسرحي كان ينتقل من سينوغرافيا واقعية إلى سينوغرافيا شاعرية من خلال تقديم المشاهد الرومانسية الإيروسية الساحرة. وكان تغيير الديكور يخضع لمنطق الموسيقا التصويرية والتنسيقية بعيدا عن الصخب و الهرج الإيقاعي.
كما شغل العرض لغة فصحى مهجنة بالعامية القدحية على غرار لغة سارتر في مسرحياته العابثة، وإن كانت لغة الصعلوك مليئة بالأخطاء النحوية وتعابير السب والشتم اللاأخلاقية التي تتنافى مع أهداف مسرح الشباب.
وعليه، فمسرحية" مشاهدات صعلوك" تتميز بجودة الإخراج وحسن التشخيص وروعة السينوغرافيا ، إلا أن الموضوعين: الواقعي والرومانسي اللذين اعتمدت عليهما المسرحية أصبحا اليوم متجاوزين مادمنا نعبر عنهما بطريقة مباشرة تقريرية تستخدم فيهما المحاكاة الفنية المرآوية ، ناهيك عن الإكثار من المنولوجات الرتيبة والمملة، والتركيز على الممثل القطب ( الشرطي الصعلوك) ، وتضييق الخشبة L'ESPACE SCENIQUE بكثرة الأثاث والقطع المادية التي كانت تعرقل التواصل الحركي للمثلين.
3- مسرحية " ثيارجا برا ثيري/ حلم بلا ظلال" روعة النص والإخراج:
قدم نادي إصفظاون لمسرح الشباب أزغنغان مسرحية" ثيرجا برا ثيري- حلم بلا ظل" من تأليف: عبد الله أنس، وإخراج أحمد علاوي والطيب المعاش.
تتسم هذه المسرحية بطابعها التجريدي الرمزي على غرار مسرحية" تشومعات/ الشمعة" لعبد الواحد الزوكي ومسرحية " ثيوجيرت/ اليتيمة" لمحمد بن سعيد وعروض المسرح الحسيمي التجريدي الذي أرسى دعائمه في منطقة الريف المخرج القدير شعيب المسعودي.
ويعني هذا أن مسرحية" ثيرجا برا ثيري" ليست مسرحية عادية أو مباشرة كمسرحية " نساء الزابوق" ، بل هي مسرحية حداثية تنحو منحى التجريب والتحديث، وتحمل علامات سيميائية مفتوحة وموحية، ولايمكن فهمها إلا من قبل الذين يستطيعون تفكيك العلامات البصرية السيميائية الدرامية سواء أكانت لفظية أم غير لفظية.
هذا، وتبتدئ المسرحية بتكسير الجدار الرابع واستثمار تقنيات بريخت في تشغيل المرويات السردية واستثمار الأشعار واعتماد المنولوجات المباشرة قصد التواصل مع الجمهور. كما استندت المسرحية إلى توظيف تقنية الراوي le chœur اليوناني لسرد القصة وتمطيطها عبر مشاهد فرجوية تم تجسيدها من قبل الممثلين الرئيسيين بطريقة ميزانسينية حركية وجسدية فوق الركح.
وبعد خروج الراوي من وسط الخشبة الدرامية، يدخل الممثلون الأقطاب إلى الركح ليقدموا مسرحية العبث والضياع والصراخ والاحتجاج في قالب مأساوي يقوم على الباروديا والتهجين والسخرية من الواقع الموبوء بالقيم المنحطة والمفلس أخلاقيا والمنبطح على جميع البنى والمستويات المادية والذهنية . وقد أحسن الممثلون اختيار التموقع التواصلي المناسب فوق الخشبة وسطا ويمنة ويسرة، فاختاروا المثلث الدرامي لتقديم فرجتهم البصرية مع الانتقال مرة إلى الخشبة الخلفية أو إلى الخشبة الأمامية للتواصل مع الجمهور أو تغيير المشاهد والمواقف مستخدمين في ذلك الديكور الوظيفي المركب.
هذا، وتعرض المسرحية من خلال بنيتها الكوليغرافية الرائعة موضوعا فلسفيا ذهنيا يتمثل في البحث عن الحقيقة من خلال الانتقال من حلم إلى آخر ولكن بدون جدوى؛ مما يوقع الباحث في معاناة إنسانية وشقاء تراجيدي.
وقد ساهمت ثنائية الظلمة والنور في تأجيج صراع الخير والشر والسعادة والشقاء لتعكس في الأخير عالما سرياليا يتداخل فيه الوعي واللاوعي والشعور واللاشعور والماضي والحاضر والعقل والطيش.
كما تصور المسرحية ولادة الإنسان الذي احتضنته الأحلام الناعمة ليجد الحالم نفسه في الأخير بين أثداء الأمل ومخالب اليأس، فيسقط المحضون الشقي صريع السخرية والمفارقة الكونية وتناقضات الواقع المنحط.
وترد هذه المسرحية الفلسفية في قالب سوداوي تراجيدي يقوم على فلسفة الجنون والضحك والعبث، ويذكرنا هذا العرض في تجلياته الكبرى وتقاسيمه الفنية وملامحه التشخيصية بمسرح اللامعقول أو بمسرح العبث الغربي كما لدى صمويل بيكيت ويونيسكو وأرابال وصمويل بيكيت وألفرد جاري.
ومن الأدلة المحيلة على عبثية العرض المسرحي اللجوء إلى خطاب الصمت والصراخ، واستعمال الضحك بشكل جنوني هستيري ، وتشغيل الكوليغرافيا الرمزية المجردة، واستعمال بيوميكانيك رمزية تعبر عن سيزيفية الإنسان المستلب في واقعنا الرقمي المشيإ، وتصوير مدى انسحاقه أمام متاريس السلطة اللعينة، والإحساس بالغرابة والوحدة وضياع الحقيقة كما يدل على ذلك الكرسي الذي يحيلنا على مسرحية" الكراسي" ليونيسكو.
وقد يبدو للبعض من المشاهدين الذين لايفهموم إلا الظاهر من الفرجة الدرامية، وقد عود نفسه طويلا على رؤية المسرحيات الكلاسيكية التاريخية أو الواقعية أو الرومانسية ، أن النص مشتت ومبعثر وغير مفهوم. بيد أن الحقيقة عكس ذلك، فالنص واضح بعلاماته الرمزية والسيميائية التي تستوجب تفكيك شفرات الممثلين وتحليل إرسالياتهم المتبادلة التي كانت تنسج ثنائية البياض والسواد. وتعكس هذه الثنائية المتقابلة دلاليا تمزق الإنسان المعاصر في ظل أنظمة الجور والظلم مع العزف دراميا على سيمفونية الألم والأمل والنقر على إيقاع جدلية الحاضر والمستقبل.
وتطفح المسرحية بمجموعة من التقنيات الإخراجية الممتعة كتشغيل الجسد سيميائيا وتجريديا، وتوظيف الموروث الأمازيغي الذي يتمثل في أغنية إمذيازان، واستخدام تقنية الكروتيسك والبيوميكانيك، والتركيز على الممثل القطب الذي يتمثل في عبد الله أنس الذي يعد من أحسن الممثلين بمنطقة الريف إلى جانب طارق العاطفي ومصطفى بنعلال والطيب المعاش ومحمد عليلوش وآخرين.
ومن حسنات هذا الممثل الجاد أنه يلعب بجسده جيدا، ويطوعه فنيا وجماليا ضمن مختلف الصيغ والأشكال الكوليغرافية كيفما يشاء بطريقة وظيفية وممتعة وهادفة، وينتقل فوق خشبة المسرح انتقالا مضبوطا ومحكما، ويتقن التمثيل دراية وعشقا وحبا ومعايشة .
لكن المخرج لم يحقق الانسجام الجماعي بسبب تركيزه على الممثل القطب وإهماله للمثلين الآخرين، وإن كانت الممثلات قد أدين الكوليغرافيا أداء رائعا وجيدا بسبب تدريبات الفنان القدير الطيب المعاش.
كما أظهر أحمد علاوي والطيب المعاش في عرضهما المسرحي هذا قدرات إخراجية معتبرة ستجعلهما - إن شاء الله- من المخرجين المتميزين بمنطقة الريف عاجلا أو آجلا ماداما قد اتجها نحو التجريب والانزياح الحداثي ، فتجاوزا الأنماط الواقعية والتاريخية المستهلكة كما نجد ذلك واضحا لدى بعض مخرجي منطقة الريف كفخر الدين العمراني وفاروق أزنابط وعمرو خلوقي وماجدة بناني على سبيل التمثيل.
لكن لابد لهذين المخرجين من التفكير في قضية التأصيل من خلال البحث عن الهوية الأمازيغية والكينونة المحلية بالنبش في التراث الأمازيغي وفرجاته اللعبية وأشكاله الاحتفالية الفطرية وتشغيل أنماطه الموسيقية والفلكلورية بشكل جيد وممتع.
وعليه، فمسرحية " ثيرجا بلا ثيري" مسرحية فلسفية تجريدية رمزية تطرح تيمة العبث والأحلام المقهورة في قالب تراجيدي احتجاجي فلسفي، كما تزاوج بين الفائدة المعرفية والمتعة الفنية. لذا، استطاعت هذه المسرحية أن تنجح في توظيف بعض المؤثرات الصوتية والضوئية المناسبة.
وعلى الرغم من بعض الملاحظات الوجيهة التي تتعلق بالممثل القطب والإكثار من التجريب التجريدي على حساب التأصيل الأمازيغي فرجة وتراثا وأداء، فإن المسرحية ناجحة بكل مقاييس النجاح ، وتستحق منا كل التنويه والإشادة بسبب طابعها التجريبي الحداثي وخروجها عن القالب المسرحي الكلاسيكي المعتاد والمألوف الذي هيمن لفترة طويلة على المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف.
4- مسرحية:" ثوارث إيمظران" والانزياح الرمزي:
عرض نادي تيفاوين لمسرح الشباب بالحسيمة مسرحية أمازيغية بعنوان:" ثاوارث ءيمظران/باب القبور " ، و المسرحية من تأليف عبد العزيز إبراهيمي، وإخراج الثنائي المسرحي: محمد بنسعيد وأحمد أجويني.
و إذا كانت مسرحية " ثاواث ءيمظران/ باب القبور" من خلال عنوانها تحمل أبعادا جنائزية وتراجيدية تؤشر على الموت ونهاية الحياة، وتفلسف اللون الأبيض في أبعاده السوداء، فإن العرض يشير في دلالاته السطحية إلى فضاء الولي الصالح " سيدي شعيب ءاونفتاح" الذي صيغت حوله أساطير كثيرة تجمع بين التصوف والخرافة. وقد بالغ أهل الريف في تقديس هذا الشخص حتى أصبح رمزا للشفاء والعلاج ومداواة النفوس والأمراض العضوية. وارتحل إليه الناس من كل صوب يستغيثون به استعطافا وتقديسا ، ونزلوا إليه من كل حدب يتبركون به تطهيرا واستجداء حتى أصبح رمزا طقوسيا في الذاكرة الجمعية للريفيين الأمازيغ.
وعلى الرغم من هذه الدلالات الطقوسية، فإن المسرحية سقطت في الإبهام والغموض والانزياح الدلالي، إذ يصعب جدا اقتناص الدلالات التي ترتكز عليها حبكة العرض وخطاطتها الدراماتورجية.
وعلى الرغم من خاصية الإبهام والتجريد الدلاليين، فإنه من الممكن بواسطة تفكيك بعض المؤشرات الكوليغرافية واللغوية فهم وتركيب بعض دلالات العرض المسرحي الذي قدم فوق خشبة المركب الثقافي بالناظور وحصرها مضمونيا في إدانة الفرجة الدرامية للإنسان الأمازيغي الذي ظل حبيس الصمت والموت و الخرافة والسجال الكلامي والقول السلبي، والذي لم ينتقل بعد إلى الممارسة الميدانية والفروسية الواقعية والفعل الثوري النضالي والپراكسيس التغييري.
هذا، وتبتدئ المسرحية بكوليغرافيا الصراع لتنتهي بكوليغرافيا التصالح والتوافق وتأسيس وحدة الانسجام و الالتئام والأخوة. كما تدل جدارية المسرحية على جدلية الأسود والأبيض التي تنم عن صراع سيزيفي تراجيدي بين الحزن والفرح ، وبين الألم والأمل، والتأرجح بين العبودية والحرية سواء على المستوى الروحي أم المادي.
وتتحدث هذه المسرحية عن الإنسان الأمازيغي الذي يعاني من الضياع والتهميش والإقصاء والتهجير وتدمير هويته وإبعاده من أرضه مع امحاء كينونته الأصيلة وإغراقه في الأساطير والخرافات. لذا، يثور العرض المسرحي على التواكل السلبي والفكر الخرافي الأسطوري وتضييع الأمازيغيين وقتهم الثمين في الصراعات التافهة والسجال الجدلي بدلا من العمل والتنفيذ وأجرأة القرارات. كما يدين العرض المسرحي فكرة الهروب والتشتت والتمزق والانتهازية والفكر البراگماتي والهجرة إلى الخارج باعتبار هذا الفعل حلا واقعيا للمشاكل التي يعاني منها الإنسان الأمازيغي.
وتحضر الهوية الأمازيغية والدعوة إلى التشبث بالكينونة المحلية الأصيلة للإنسان الأمازيغي عبر العلامات السيميوطيقية التي يتأثث بها الركح والإكسسوارات التي يشغلها الممثلون و المعبرة عن هذه الكينونة المهمشة.
وتعبر الرقصات الكوليغرافية والحركات الآلية البيوميكانيكية الموظفة من قبل الممثلين فوق الركح الدرامي عن القلق والصراع الجدلي والتمزق النفسي والضياع الذي يعاني منه الإنسان الأمازيغي. وتحضر المرأة الأمازيغية لتحرض الزوج على الفعل الثوري والعمل الإجرائي وتغيير الكائن السائد من أجل استبداله بالممكن ، واستشراف المستقبل السعيد والأمل المنشود بدلا من الارتكان إلى الصمت والعزلة السلبية والهروب غير المبرر، والاستمناء بالتخريف والأسطرة المميتة.
والحل للخروج من هذه الأزمات الإنسانية والتخلص من هشاشة الواقع الأمازيغي هو أن نخرج من قبورنا لنفتح أبواب الحياة والمستقبل، وأن ننهض من موتنا التراجيدي ونمزق وعي التخريف الاستلابي عن طريق التعلم والنضال والتغيير الثوري، أي ننتقل من الوعي الشقي وعي التوحش والأسطورة والفكر الغيبي الميتافيزيقي إلى الوعي العلمي العملي ، وعي الممارسة والصراع الجدلي من أجل بناء مستقبل أمازيغي قوامه التغيير الجدلي والنقد الذاتي والحركة الهادفة والبناء الفعال والمساهمة الإيجابية والتحديث المتنور.
وعليه، فالمسرحية سوداوية الطابع تتأرجح بين الموت والحياة، وتقف بين حد المعاناة من الآلام وحد استشراف غد الأمل الوضاح. كما تدعو المسرحية إلى الخروج من قبور الصمت والسكون والموت والتخريف والتبرك الزائف إلى حياة الفعل والحركة والتغيير وواقع الصراع الجدلي من أجل إثبات الذات والدفاع عن الهوية الأمازيغية التي ظلت لأمد طويل هوية مقصية من الحضور ومهمشة من العطاء والمساهمة الفعلية.
ونصل بعد قراءتنا لهذا العرض المسرحي أنه عبارة عن تمثيلية درامية غامضة من الصعب فهمها وتأويلها بسبب غموض النص الدرامي، ووجود ضعف في المعالجة الدراماتورجية، وركاكة في صياغة النص والعرض معا ، وكذلك بسبب تقطيع العرض إلى عدة مشاهد ومواقف سينوغرافية مبهمة غُلّب فيها الجانب الحركي والجسدي على حساب ما هو لفظي؛ مما جعل العرض يعاني من كثرة الإبهام والانزياح الدلالي وغموض الرسالة وتجريدية المقاصد المرجعية والسياقية.
يندرج هذا العرض المسرحي فنيا وجماليا ضمن المسرح الرمزي التراجيدي الذي تتخلله بعض المشاهد الكوميدية التي مسرحها الممثل الفكاهي محمد بن سعيد ، وذلك حينما أشار إلى امتساخ الرجال والنساء علاوة على تمثيله لبعض المواقف الدرامية الرومانسية الغرامية التي يبحث من خلالها عن حسناء في صالة المسرح تتزوجه . ومن ثم، يكون الممثل قد كسر الجدار الرابع وأسقط الإيهام المسرحي وأزال إسار التطهير الأرسطي .
وإذا تأملنا جدارية المسرح، فإن العرض يستند إلى ما يسمى بالمسرح الأسود الذي يطغى كثيرا في العروض المسرحية الحسيمية. كما التجأ المخرجان معا إلى تجريب مسرح التجريد ومسرح اللامعقول والامتساخ الفانطاستيكي عبر تقديم حقائق نسبية وأفكار غامضة وغير معقولة تنم عن انزياح الدلالات وإبهام المعاني. وقد تأثر هذا العرض المسرحي بأفكار وتصورات وتقنيات المخرج المسرحي شعيب المسعودي الذي يعد مؤسس المدرسة التجريدية في منطقة الريف بلا منازع، ويعد من رواد الحداثة المسرحية الأمازيغية إلى جانب نعمان أوراغ ، وسعيد المرسي، ومخرجين آخرين من الحسيمة كعبد العزيز إبراهيمي، ومحمد بنعيسى، وسعيد أبرنوص، وأحمد السمار، ومحمد گاگة...
ومن المعلوم أن المخرج محمد بنسعيد أخرج مجموعة من المسرحيات التجريدية والواقعية والرمزية والاجتماعية كمسرحية " تايوجيرت/اليتيمة"، ومسرحية" ءورار ءيمطاون/عرس الدموع"، ومسرحية " ثيمغارين ن نءوسانا/ نساء هذا الزمان"، ومسرحية" إعساسن ءيمظران/ حراس المقابر". أما أحمد أجويني فقد أخرج مع محمد بنعيسى مسرحية" زير كامپو غاثانديت ثنقراب ثحاجيت/ من البادية إلى المدينة انقلبت الحكاية". كما أخرج عبد العزيز الإبراهيمي مسرحية أمازيغية موجهة إلى الأطفال بطابع تجريدي بعنوان" آس ءامزيان/اليوم القصير". ويعني هذا التراكم المسرحي في مجال التجريد المسرحي أن مدينة الحسيمة قد أرست مدرسة جديدة في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف وهي المدرسة التجريدية السوداء المتأثرة بدورها بالمدارس الهولندية التجريدية؛ لأن شعيب المسعودي رائد التجريد في الريف من أهم المتأثرين بهذه المدرسة تطبيقا وتدريبا وسينوغرافيا وإخراجا وتمثيلا، ويعد من أهم الطلبة المتخرجين من هذه المدرسة العريقة في الفن المسرحي بأورپا الغربية تدريسا وتأهيلا وتكوينا. بينما بقي المسرح الأمازيغي بمدينة الناظور مسرحا أرسطيا بسيطا، وظل لفترة طويلة إلى يومنا هذا مسرحا كلاسيكيا وواقعيا وتاريخيا ورومانسيا دون أن يصل إلى النضج الفني والمستوى العالي الحداثي لمسرح الحسيمة باستثناء أعمال بعض المخرجين كسعيد المرسي ونعمان أوراغ.
وإذا عدنا إلى التمثيل، فإننا نلاحظ أن الممثلين والممثلات لهم دراية كبيرة بمجال التمثيل والتشخيص الكوليغرافي والانتقال فوق خشبة الركح، وينتقلون بشكل تواصلي سيميائي وظيفي خاضع لهندسة التحرك فضائيا وحركيا. ويلاحظ كذلك أن المسرحية يغلب عليها التواصل الكوليغرافي والحركات البيوميكانيكية التي تأثر فيها المخرجان بتصورات المخرج الروسي مايرخولد والبولوني گروتوفسكي.
ومن ناحية أخرى، فقد جسدت الأزياء الأمازيغية التي كان يتزيى بها الممثلون مقومات الكينونة المحلية الأصيلة وتجلياتها الحضارية والأنتروپولوجية والتاريخية. كما كان الديكور وظيفيا على الرغم من غموض رسالة بعض قطعه وإكسسواراته، وتدل أزياء بعض الممثلات وقطع الديكور والسينوغرافيا على الهوية المسيحية والكينونة المغَربة أكثر مما تدل على الهوية الأمازيغية، وظلت الجدارية المثبتة في الجدار الخلفي لوحة تشكيلية صماء بدون استنطاق ولا توضيح وبدون تأويل لفظي أو حدثي.
وإذا انتقلنا إلى إبراز مظاهر حداثة هذا العرض المسرحي، فيمكن حصرها في انعدام الفصول والمشاهد، إذ نرى هذا العرض المسرحي المشخص بصريا ولغويا كأنه حلقة سينوغرافية واحدة تتحكم فيها الإنارة إظلاما وتنويرا ، وتؤطرها صمتا و تهييجا وتحريكا. كما شاهدنا تكسير الجدار الرابع والتغريب البريختي، واستخدام المسرح الاحتفالي الأمازيغي أو الظواهر الفطرية، وتوظيف أغنية " لابويا" والرقص الأمازيغي، والكوليغرافية الصراعية في مواجهة الكوليغرافية الاندماجية الجسدية. ويتقاطع على مستوى السينوغرافيا التشكيلية اللونان: الأبيض والأسود، والثوبي والخشبي، واللفظي والبصري، والسفلي والعلوي، والماضي والحاضر، والتأصيل والتغريب.
ونستشف مما سبق أن مسرحية " ثوارث ءيمظران/ بوابة القبور" هي مسرحية انتقادية تدعو الأمازيغيين عبر رؤية تراجيكوميدية إلى الخروج من شرنقة الصمت والخمول والموت والتخريف إلى عالم الحياة حيث الحركة والصراخ والتغيير والصراع الجدلي من أجل الدفاع عن الكينونة الأمازيغية والهوية الأصيلة للإنسان الأمازيغي.
وتتخذ
هذه المسرحية طابعا تجريديا حداثيا يتسم بالانزياح الدلالي والغموض في الرسالة
والتنوع في التوجه الفني الذي يستند إلى تشغيل الأشعار والأغاني والموروث
الاحتفالي والحكم والأمثال والأقوال المأثورة والرقصات الأمازيغية الأصيلة.
ومن دواعي الانزياح الحداثي في هذا العرض المسرحي نذكر: تكسير خطية العرض المسرحي ، والتمرد عن الوحدات الأرسطية الثلاث ، وخلخلة الموضوع عن طريق تشفيره بالعلامات السيميائية البصرية الغامضة والعلامات اللغوية المتقطعة المبهمة؛ مما أثر كل هذا سلبا على تلقي هذه المسرحية بشكل جيد لولا بعض المواقف الكوميدية التي التجأ إليها محمد بنسعيد لإثراء العرض وإغناء التواصل مع الجمهور الأمازيغي الريفي الذي لم يشبع بعد من المسرحيات الكلاسيكية والرومانسية والتاريخية. ويعني هذا أن المسرح التجريدي الحسيمي قد خيب أفق انتظار الجمهور الأمازيغي بمنطقة الريف على الرغم من كثرة المتفرجين الذين حضروا لمشاهدة العرض حتى كثر عددهم داخل صالة المسرح في القاعة السفلية والقاعة العلوية، وبذلك يكون المسرح الحسيمي قد دخل الحداثة المسرحية الأمازيغية بصفة خاصة وحداثة المسرح المغربي بصفة عامة من أبوابها الواسعة.
5- مسرحية نساء الزابوق": بين الطرح الواقعي وجودة الإخراج:
قدم النادي الجامعي لمسرح الشباب بزايو مسرحية:" نساء الزابوق"، وهي من تأليف سلوى الروكي، وإخراج ماجدة بناني.
تتناول هذه المسرحية ظاهرة التهريب بالشمال الشرقي من المغرب، وما يعانيه المهربون والمهربات من المآسي والويلات من جراء قسوة المخزن المغربي ومضايقات الشرطة الحدودية الإسبانية. لكن ستحدث مصيبة كبرى لم يحسب لها أي حساب حينما سيقتل أحد القوات المساعدة المغربية مهربة فقيرة مستعملا ضدها أسلوب القسوة المشينة وهستيريا القوة والجنون للتعبير عن حقده وغضبه اللاشعوري وخيبة أمله في تأمين حياته بسبب التسلط والتجبر في اتخاذ القرارات السياسية ذات الطابع التنفيذي.
ومن هنا، فالمسرحية ذات طابع تراجيدي مأساوي تذكرنا بمسرح القسوة لدى أنطونين أرطو، وتحيلنا أيضا على نظرية التطهير لدى أرسطو لكونها تثير الخوف والفزع ، وتستفز الجمهور وجدانيا ونفسانيا.
وتتكون المسرحية من مجموعة من المشاهد الدرامية كمشهد المراقبة والتفتيش، ومشهد العنف والقسوة، ومشهد الهروب، ومشهد الصراخ والاحتجاج، ومشهد القتل، ومشهد الندم، ومشهد الوطنية. بيد أن المشهدين الأخيرين فيهما نوع من التكلف والتصنع، ويتضح ذلك أيضا عبر تقديم مجموعة من الشعارات الوطنية بدون رابط منطقي أو وصل سببي.
وعلى أي، فالمسرحية نقد للواقع المغربي وتعرية لتناقضاته الجدلية الصارخة ، وثورة على السلطة المغربية اللامبالية، وتشخيص مر لواقع التهريب وآفاته السلبية، كما توجه في طياتها رسالة مستقبلية للمسؤولين للتفكير جديا في وضعية المهربين وإيجاد فرص العمل المناسبة لهذه الشريحة المهمشة للحفاظ على كرامتهم الآدمية وأنفتهم البشرية.
وتتكئ المسرحية على المزج بين العربية والأمازيغية، واستعمال سينوغرافيا باهتة تعتمد على الإضاءة التموجية والكوليغرافيا الصراعية التي تتقابل فيها الشخصيات الدرامية لتشخيص مدى أحقيتها في تملك الأرض والتشبث بالوطن، لننتقل بعد ذلك كمشاهدين إلى الحدث الدرامي الرئيس الذي يتمثل في مواجهة المهربات بقسوة وعنف . ثم، ينتهي العرض بالندم واللوم والعتاب والارتماء بين أحضان الوطن.
ومن هنا، تترجم لنا هذه المسرحية قسوة السلطة وعنفها المأساوي وانبطاح الواقع المغربي وتخلف بنياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
ولقد أظهرت الممثلات كفاءة متميزة في التموقع فوق الركح المشهدي وفي تحقيق التواصل اللفظي وغير اللفظي. كما استطاع الممثل محمد العشاش أن يرعب الجمهور بفظاظته وقسوته ، لكنه في الأخير استسلم لخطاب الخنوع والبكائية الدرامية .
ويلاحظ أن المسرحية واقعية الاتجاه تنقل الواقع بحرفية مباشرة من خلال منطق المحاكاة والاقتباس.
وقد نجحت المخرجة الصاعدة ماجدة بناني أيما نجاح في إخراج هذه المسرحية المتميزة بطابعها الكوميدي الساخر، واستطاعت أن تتجاوز مجموعة من الأخطاء والهفوات التي وقعت في عروضها المسرحية الأولى، فاستطاعت بكل جدارة أن تفرض نفسها بأنها مخرجة من الكعب العالي. ثم، بدأت تفرض نفسها بكل قوة وعزيمة في منطقة الريف التي سيطر عليها لمدة طويلة المخرجون الذكور.
وعلى العموم، فمسرحية " نساء الزابوق" مسرحية واقعية من حيث المضمون والطرح، وكلاسيكية من حيث الشكل والبناء والقالب الفني، اشتغلت على المضمون الواقعي بكل حرفية مرآوية. لكن المخرجة الشابة ماجدة بناني استطاعت أن تخرج عملها الدرامي في ثوب إخراجي متميز صفق له الجميع عن جدارة واستحقاق لتحصد في الأخير في المهرجان الجهوي لمسرح الشباب بتازة جائزة التشخيص صنف إناث .
6- " مشهد قبل البداية" والطرح الميتامسرحي:
عرض نادي ثازيري لمسرح الشباب بالناظور مسرحية:" مشهد قبل البداية" لمحمد السحساح وإخراج محمد بوغرضاين.
تندرج المسرحية ضمن ما يسمى بالاتجاه الميتامسرحي حيث تعالج المسرحية قضية الفنان في مجتمع الاغتراب والاستلاب والتشييء، كما تنصب دلاليا حول وظيفة الفن المسرحي في الحياة وما يقدمه من إضاءات هامة لمشاكل الإنسان.
تبتدئ المسرحية بالاستعداد لتقديم الفرجة المسرحية للجمهور، لكن أحد المشردين سيقتحم المسرح في حضور مديره الفني ليقدم مجموعة من اللوحات المشهدية المنتزعة من الواقع، والتي تعبر عن حالته المزرية وحالة أسرته المأساوية.
بيد أن المدير سيخبر الشرطة بوضعية هذا المشرد، فتضطر لمعاقبته ومحاسبته حسابا عسيرا. وتنتهي المسرحية بشلل معظم أفراد الأسرة وانبطاحهم واقعيا ووجوديا تعبيرا عن ضآلة الإنسان المقهور الذي يعاني الكثير والكثير في مجتمعاتنا المتسلطة.
وعلى الرغم من التوظيف الفني والجمالي لبعض التقنيات والتصورات الإخراجية، فالمسرحية مازالت لم تتخلص من إسار المسرح المدرسي أو مسرح الفتيان، ناهيك عن وقوعها في مجموعة من الثغرات الفنية كالتطويل في المنولوجات الفردية الطويلة المملة، والتركيز على الممثل القطب، وانعدام الحيوية، والخلل في الحوار، ورتابة التواصل اللفظي وغير اللفظي، وغياب الاستثمار الجيد لمعظم المكونات السينوغرافية والدرامية التي تحقق الفائدة والمتعة الفنية.
وعلى الرغم من الطابع الميتامسرحي لهذا العرض المسرحي، فإن هذا العمل الدرامي يبقى فقيرا فنيا وجماليا على مستوى النص والتشخيص والسينوغرافيا والإخراج، يحتاج بشكل ملحاح إلى إعادة تركيبه من جديد على ضوء المعالجة الدراماتورجية اللائقة والاستعانة بالتحبيك الدرامي والانسجام الجماعي وتشخيص النص بشكل تقني توظف فيها كل مقومات الفرجة البصرية المثلى.
7- مسرحية " كاراكوز وعوض": وتقنية مسرح الدمى:
قدم نادي محمد مسكين لمسرح الشباب بوجدة مسرحية :" كاراكوز وعوض" من تأليف: الفنان السوري رواس عبد الفتاح قلعه جي، وإخراج سفيان الغربي ، وإعداد واقتباس: محمد توفيق بوطاهري. فيتقاطع فيها الميتامسرح والواقع المرجعي، كما يتخللها الخطاب الفانطاستيكي من خلال الانتقال من المألوف إلى الغرابة واللاوعي.
ثم، تشتغل المسرحية على الميتامسرح على غرار مسرحيات بيراندللو من خلال استعراض مشاكل المسرح المغربي بصفة عامة ومسرح الشباب بصفة خاصة.
هذا، و تطرح المسرحية مجموعة من القضايا التي تؤرق الإنسان العربي كالبطالة والرشوة والغلاء والاستبداد والحروب. كما تجسد المسرحية واقع العبث والهستيريا البشرية من خلال الرجوع إلى العالم الطفولي بكل ملامحه الرومانسية والفطرية.
وتستعرض المسرحية قصة كراكوز وعوض من خلال تمثل مسرح العرائس والدمى الذي أشاد به الإنجليزي إدوار ﯖوردون كريـﯖ في نظريته حول الممثل الدمية أو الماريونيت ، والألماني بيتر شومان صاحب مسرح الخبز والدمى Bread and puppet theatre الذي يعتمد على ممثلين :" لاينتمون إلى مدرسة احترافية، وإنما يصنعون الأقنعة بأنفسهم، كما يرقعون أكسيسواراتهم، وآلاتهم الموسيقية انطلاقا من الأشياء التي يعثرون عليها في القمامات، إذ نجدهم يستعملون تلقائيا عرائس محشوة، ونصف عرائس، وممثلين مقنعين، وآخرين تطلى وجوههم بالمساحيق." [1]
كما تستمد المسرحية سينوغرافيتها التشكيلية من فن البوب الذي يستخدم النفايات والرقع الممزقة والأشياء المستعملة في الحياة اليومية ليصنع بها صورا تجمع بين تلقائية الحياة والعنصر غير المتوقع الذي يدهش المشاهد ويثير انتباهه.
وعلى أي حال، فعلى الرغم من كون المسرحية نموذجا لمسرح النقد والشهادة الذي دعا إليه محمد مسكين ، وعلى الرغم من التقنيات الإخراجية التي شغلها العرض كالمسرح داخل المسرح، واستعمال العرائس والفنطاستيك، والشخصيات التراثية، وتوظيف البيوميكانيك، فإن العرض يتميز برتابة الحوار وملل الفرجة وهيمنة الخطاب المباشر وتكرار الإيقاع الدرامي البطيء وضعف التشخيص لكونه لم ينبع من الوجدان والذاكرة الحية والمعايشة الصادقة ، فقد كان في الحقيقة أداء تقنيا صرفا .
8- مسرحية " المحاكمة" والكوميديا الساخرة:
ترصد المسرحية التي قدمها نادي الانطلاقة لمسرح الشباب ببركان مشكل البائعين المتجولين ومعاناتهم من المحاكمات الجائرة المستبدة التي أوقعتهم في السجون والزنازين على الرغم من براءتهم.
ويتحول السجن في هذا العرض المسرحي إلى فضاء كوميدي ساخر تعرض فيه مجموعة من المواقف الهزلية عبر خطاب فكاهي شعبي مهجن بالمفارقة والسخرية الانتقادية والباروديا المثيرة للضحك والبكاء.
وعلى العموم، فالمسرحية ضعيفة من حيث الإخراج والتشخيص على الرغم من مشهد السفينة الذي يعد أحسن صورة درامية في المهرجان .
9- مسرحية" الضفة المجهولة": بين ضعف التشخيص وانعدام التكوين:
قدم نادي الجيل الصاعد لمسرح الشباب بفجيج مسرحية:" الضفة الأخرى " التي تصور واقعا مليئا بالتناقضات الصارخة الناتجة عن الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي وانتشار ظاهرة الفقر والبطالة والتهميش وغلاء الأسعار وارتفاع فاتورة الحياة، كما تعزف المسرحية على إيقاع الهجرة السرية والتأرجح بين المعاناة والأمل.
وعلى الرغم من واقعية المسرحية وطرحها الاجتماعي والسياسي، فقد عرضت المسرحية بطريقة مباشرة من حيث المضمون، وبخطة ضعيفة من حيث التشخيص والإخراج والسينوغرافيا.
ويلاحظ أن نوادي فجيج المسرحية في حاجة ماسة إلى ورشات تكوينية نظرية وتطبيقية في مجال التمثيل والإخراج ؛ لأنها مازالت لاتميز بين مسرح الطفل والمسرح المدرسي ومسرح الشباب، كما تتسم عروضها الدرامية دائما بالرتابة والملل والسذاجة و الفقر المسرحي.
10- مسرحية:" جيل لهبال" والكوميديا السوداء:
قدم نادي التواصل لمسرح الشباب بجرادة مسرحية:" جيل لهبال" التي تصور جيلا من الشباب الثائر على القيم الموروثة التي لاتخدم سوى مصالح الفئة الحاكمة والمستبدة.
كما انتقدت المسرحية الواقع المغربي المتعفن، فصورت عالم المشردين تصويرا تراجيديا قائما على الكوميديا السوداء وتشغيل فلسفة العبث واستعمال تقنية الكراسي كما لدى الفنان العابث يونيسكو مع تشغيل السينوغرافيا الفارغة القائمة على بساطة الديكور المتعدد الوظائف.
وعليه، فمسرحية " جيل لهبال" مسرحية فاترة ومملة ومباشرة تحتاج إلى الصقل وجودة الإخراج وروعة التشخيص.
خاتمة:
يتبين لنا من خلال عروض المهرجان الجهوي السادس لمسرح الشباب بتازة أن مضامين العروض تنبني على المواضيع الواقعية الاجتماعية والمواضيع الرومانسية و المواضيع الذهنية الفلسفية والمواضيع التراثية ذات الطابع الشعبي ، والمواضيع التي تتعلق بفن المسرح ووظيفته في الحياة.
كما ارتكزت هذه العروض من الناحية الفنية والجمالية على مجموعة من المدارس الإخراجية كالمدرسة الواقعية والمدرسة الطبيعية والمدرسة الرومانسية والمدرسة الرمزية والمدرسة الاحتفالية المتجددة والمدرسة الميتامسرحية.
وتنوعت طرائق التعبير من فرقة إلى أخرى، فهناك من يستعمل الطريقة التقريرية المباشرة كمسرحية : " مشاهدات صعلوك" ومسرحية: " نساء الزابوق" ومسرحية:" جيل لهبالة"، وهناك من يستعمل الطريقة الرمزية الانزياحية ذات الأبعاد السيميائية والذهنية كمسرحية" ثوارث ءيمظران" ، ومسرحية " من حبة قبة"، ومسرحية: " ثيرجا ن - تيري".
ونلاحظ من خلال المهرجان الذي يمثل الجهة الشرقية الشمالية والوسطى أن مستوى الحركة المسرحية يختلف من مدينة إلى أخرى، فالحركة المسرحية نشيطة في تازة والحسيمة والناظور ووجدة، ومتوسطة ببركان وجرادة ، وضعيفة بفجيج وتاوريرت.
* توصيات واقتراحات:
1- تخصيص ميزانية لدعم الفرق والنوادي المسرحية المشاركة في المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية لبناء ديكوراتها الدرامية وتشييد سينوغرافياتها وتحمل نفقات السفر؛
2- اختيار أعضاء لجنة التحكيم من مدن مختلفة داخل الجهة الواحدة
لتحقيق النزاهة والموضوعية والعدالة المطلوبة؛
3- تأطير بعض الفرق المسرحية من خلال ورشات تكوينية تنصب على نوادي
فجيج وجرادة وبركان والناظور والحسيمة وتاوريرت؛
4- تقديم جوائز مادية ومالية وشواهد تقديرية للفرق والنوادي
المشاركة؛
5- تحفيز أعضاء لجن التحكيم ماديا وماليا؛
6- تكريم الباحثين والدارسين الذين يخدمون مسرح الشباب بتفان
وإخلاص؛
7- تحديد معايير التنقيط والتقويم التي سيتبناها أعضاء لجن التحكيم؛
8- ضرورة تحييد الإدارة عن مجال تقويم العروض المسرحية على غرار
حيادها في الإقصائيات الوطنية؛
9- توفير قاعات عدة لتقديم العروض المسرحية ربحا للوقت الذي يتم
تضييعه هباء في انتظار الفرق والنوادي حتى تنتهي من بناء ديكوراتها؛
10- ضرورة كتابة تقارير نقدية لوصف العروض المسرحية وتقييمها.
* شكـــر وتقدير:
نشكر السيدة نوال المتوكل وزيرة الشباب والرياضة على مجهوداتها الجبارة ونواياها الطموحة لكي يحقق مسرح الشباب بالمغرب أهدافه المرجوة وغاياته النبيلة وثماره المبتغاة.
وفعلا، فقد تحققت في مغربنا السعيد نهضة مسرحية كبيرة بسبب العدد الهائل من الفرق والنوادي المسرحية المشاركة ، وبفضل كثرة العروض التي قدمت في المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية.
واستطاع هذا المسرح الشبابي بفضل سياسة الوزيرة المحنكة أن يتفوق على قرينه مسرح الهواة الذي انتعش في فترة السبعينيات من القرن العشرين تأطيرا وتكوينا وتباريا، كما تفوق هذا المسرح الصاعد على المسرح الاحترافي بسبب كثرة الفرق المشاركة والعروض المقدمة التي تجمع بين فائدة المضامين والقضايا ومتعة الفرجة الدرامية.
ونشكر أيضا السيد المحترم مصطفى بنرهو مدير الشباب والطفولة والشؤون النسوية والمشرف العام على مهرجانات مسرح الشباب على تفانيه الصادق من أجل أن يتبوأ مسرح الشباب مكانته اللائقة به بسبب أفكاره النيرة وتوجيهاته السديدة التي مافتئ يقدمها بغيرة فنية ووطنية للعاملين معه.
ولا ننسى أيضا الشاب القدير ياسين بلراب رئيس قسم الشباب على خدماته الكبرى من أجل أن يمر مسرح الشباب في ظروف حسنة ومتميزة.
أما الشكر الكبير والثناء العظيم فلبطل مهرجان مسرح الشباب شكيب الرغاي رئيس مصلحة جمعيات الشباب على تواضعه الجم وأخلاقه الدمثة وجديته الصارمة ووسامته المشرقة. فهذا البطل البروميثيوسي لايتعب ولا يني ، إذ تجري دماء مسرح الشباب في عروقه الحية، وينبض في جسده عشقه الكبير لهذا المسرح الصاعد الذي بدأ ينحت اسمه في ذاكرة المسرح المغربي وفي سجل الثقافة المغربية.
ونشكر أيضا مندوب الشباب والرياضة بتازة السيد المحترم محمد زاوي أيما شكر على مجهوداته المضنية وخدماته الكبيرة التي أسداها لمسرح الشباب ، ونهنئه على نجاح المهرجان الجهوي أيما تهنئة، فنثني على ترحيبه الجم بجميع ضيوفه الكرام، ثم سهره المتفاني على المهرجان لكي يحقق نتائجه المثمرة وأهدافه المرصودة.
كما نشكره من أعماق قلبنا على حسن ضيافته، ونرجو من السيدة الوزيرة نوال المتوكل أن تشكر معنا هذا الرجل المخلص وتثني على هذا المندوب الوفي، وأن تبقي المهرجان الجهوي للمنطقة الشرقية الشمالية والوسطى دائما في مدينة تازة إلى أن يظهر ما يخالف ذلك، وقد قال نبينا (صلعم):" من لايشكر الناس لايشكر الله".
منقووووول ستار تايمز
ومن دواعي الانزياح الحداثي في هذا العرض المسرحي نذكر: تكسير خطية العرض المسرحي ، والتمرد عن الوحدات الأرسطية الثلاث ، وخلخلة الموضوع عن طريق تشفيره بالعلامات السيميائية البصرية الغامضة والعلامات اللغوية المتقطعة المبهمة؛ مما أثر كل هذا سلبا على تلقي هذه المسرحية بشكل جيد لولا بعض المواقف الكوميدية التي التجأ إليها محمد بنسعيد لإثراء العرض وإغناء التواصل مع الجمهور الأمازيغي الريفي الذي لم يشبع بعد من المسرحيات الكلاسيكية والرومانسية والتاريخية. ويعني هذا أن المسرح التجريدي الحسيمي قد خيب أفق انتظار الجمهور الأمازيغي بمنطقة الريف على الرغم من كثرة المتفرجين الذين حضروا لمشاهدة العرض حتى كثر عددهم داخل صالة المسرح في القاعة السفلية والقاعة العلوية، وبذلك يكون المسرح الحسيمي قد دخل الحداثة المسرحية الأمازيغية بصفة خاصة وحداثة المسرح المغربي بصفة عامة من أبوابها الواسعة.
5- مسرحية نساء الزابوق": بين الطرح الواقعي وجودة الإخراج:
قدم النادي الجامعي لمسرح الشباب بزايو مسرحية:" نساء الزابوق"، وهي من تأليف سلوى الروكي، وإخراج ماجدة بناني.
تتناول هذه المسرحية ظاهرة التهريب بالشمال الشرقي من المغرب، وما يعانيه المهربون والمهربات من المآسي والويلات من جراء قسوة المخزن المغربي ومضايقات الشرطة الحدودية الإسبانية. لكن ستحدث مصيبة كبرى لم يحسب لها أي حساب حينما سيقتل أحد القوات المساعدة المغربية مهربة فقيرة مستعملا ضدها أسلوب القسوة المشينة وهستيريا القوة والجنون للتعبير عن حقده وغضبه اللاشعوري وخيبة أمله في تأمين حياته بسبب التسلط والتجبر في اتخاذ القرارات السياسية ذات الطابع التنفيذي.
ومن هنا، فالمسرحية ذات طابع تراجيدي مأساوي تذكرنا بمسرح القسوة لدى أنطونين أرطو، وتحيلنا أيضا على نظرية التطهير لدى أرسطو لكونها تثير الخوف والفزع ، وتستفز الجمهور وجدانيا ونفسانيا.
وتتكون المسرحية من مجموعة من المشاهد الدرامية كمشهد المراقبة والتفتيش، ومشهد العنف والقسوة، ومشهد الهروب، ومشهد الصراخ والاحتجاج، ومشهد القتل، ومشهد الندم، ومشهد الوطنية. بيد أن المشهدين الأخيرين فيهما نوع من التكلف والتصنع، ويتضح ذلك أيضا عبر تقديم مجموعة من الشعارات الوطنية بدون رابط منطقي أو وصل سببي.
وعلى أي، فالمسرحية نقد للواقع المغربي وتعرية لتناقضاته الجدلية الصارخة ، وثورة على السلطة المغربية اللامبالية، وتشخيص مر لواقع التهريب وآفاته السلبية، كما توجه في طياتها رسالة مستقبلية للمسؤولين للتفكير جديا في وضعية المهربين وإيجاد فرص العمل المناسبة لهذه الشريحة المهمشة للحفاظ على كرامتهم الآدمية وأنفتهم البشرية.
وتتكئ المسرحية على المزج بين العربية والأمازيغية، واستعمال سينوغرافيا باهتة تعتمد على الإضاءة التموجية والكوليغرافيا الصراعية التي تتقابل فيها الشخصيات الدرامية لتشخيص مدى أحقيتها في تملك الأرض والتشبث بالوطن، لننتقل بعد ذلك كمشاهدين إلى الحدث الدرامي الرئيس الذي يتمثل في مواجهة المهربات بقسوة وعنف . ثم، ينتهي العرض بالندم واللوم والعتاب والارتماء بين أحضان الوطن.
ومن هنا، تترجم لنا هذه المسرحية قسوة السلطة وعنفها المأساوي وانبطاح الواقع المغربي وتخلف بنياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
ولقد أظهرت الممثلات كفاءة متميزة في التموقع فوق الركح المشهدي وفي تحقيق التواصل اللفظي وغير اللفظي. كما استطاع الممثل محمد العشاش أن يرعب الجمهور بفظاظته وقسوته ، لكنه في الأخير استسلم لخطاب الخنوع والبكائية الدرامية .
ويلاحظ أن المسرحية واقعية الاتجاه تنقل الواقع بحرفية مباشرة من خلال منطق المحاكاة والاقتباس.
وقد نجحت المخرجة الصاعدة ماجدة بناني أيما نجاح في إخراج هذه المسرحية المتميزة بطابعها الكوميدي الساخر، واستطاعت أن تتجاوز مجموعة من الأخطاء والهفوات التي وقعت في عروضها المسرحية الأولى، فاستطاعت بكل جدارة أن تفرض نفسها بأنها مخرجة من الكعب العالي. ثم، بدأت تفرض نفسها بكل قوة وعزيمة في منطقة الريف التي سيطر عليها لمدة طويلة المخرجون الذكور.
وعلى العموم، فمسرحية " نساء الزابوق" مسرحية واقعية من حيث المضمون والطرح، وكلاسيكية من حيث الشكل والبناء والقالب الفني، اشتغلت على المضمون الواقعي بكل حرفية مرآوية. لكن المخرجة الشابة ماجدة بناني استطاعت أن تخرج عملها الدرامي في ثوب إخراجي متميز صفق له الجميع عن جدارة واستحقاق لتحصد في الأخير في المهرجان الجهوي لمسرح الشباب بتازة جائزة التشخيص صنف إناث .
6- " مشهد قبل البداية" والطرح الميتامسرحي:
عرض نادي ثازيري لمسرح الشباب بالناظور مسرحية:" مشهد قبل البداية" لمحمد السحساح وإخراج محمد بوغرضاين.
تندرج المسرحية ضمن ما يسمى بالاتجاه الميتامسرحي حيث تعالج المسرحية قضية الفنان في مجتمع الاغتراب والاستلاب والتشييء، كما تنصب دلاليا حول وظيفة الفن المسرحي في الحياة وما يقدمه من إضاءات هامة لمشاكل الإنسان.
تبتدئ المسرحية بالاستعداد لتقديم الفرجة المسرحية للجمهور، لكن أحد المشردين سيقتحم المسرح في حضور مديره الفني ليقدم مجموعة من اللوحات المشهدية المنتزعة من الواقع، والتي تعبر عن حالته المزرية وحالة أسرته المأساوية.
بيد أن المدير سيخبر الشرطة بوضعية هذا المشرد، فتضطر لمعاقبته ومحاسبته حسابا عسيرا. وتنتهي المسرحية بشلل معظم أفراد الأسرة وانبطاحهم واقعيا ووجوديا تعبيرا عن ضآلة الإنسان المقهور الذي يعاني الكثير والكثير في مجتمعاتنا المتسلطة.
وعلى الرغم من التوظيف الفني والجمالي لبعض التقنيات والتصورات الإخراجية، فالمسرحية مازالت لم تتخلص من إسار المسرح المدرسي أو مسرح الفتيان، ناهيك عن وقوعها في مجموعة من الثغرات الفنية كالتطويل في المنولوجات الفردية الطويلة المملة، والتركيز على الممثل القطب، وانعدام الحيوية، والخلل في الحوار، ورتابة التواصل اللفظي وغير اللفظي، وغياب الاستثمار الجيد لمعظم المكونات السينوغرافية والدرامية التي تحقق الفائدة والمتعة الفنية.
وعلى الرغم من الطابع الميتامسرحي لهذا العرض المسرحي، فإن هذا العمل الدرامي يبقى فقيرا فنيا وجماليا على مستوى النص والتشخيص والسينوغرافيا والإخراج، يحتاج بشكل ملحاح إلى إعادة تركيبه من جديد على ضوء المعالجة الدراماتورجية اللائقة والاستعانة بالتحبيك الدرامي والانسجام الجماعي وتشخيص النص بشكل تقني توظف فيها كل مقومات الفرجة البصرية المثلى.
7- مسرحية " كاراكوز وعوض": وتقنية مسرح الدمى:
قدم نادي محمد مسكين لمسرح الشباب بوجدة مسرحية :" كاراكوز وعوض" من تأليف: الفنان السوري رواس عبد الفتاح قلعه جي، وإخراج سفيان الغربي ، وإعداد واقتباس: محمد توفيق بوطاهري. فيتقاطع فيها الميتامسرح والواقع المرجعي، كما يتخللها الخطاب الفانطاستيكي من خلال الانتقال من المألوف إلى الغرابة واللاوعي.
ثم، تشتغل المسرحية على الميتامسرح على غرار مسرحيات بيراندللو من خلال استعراض مشاكل المسرح المغربي بصفة عامة ومسرح الشباب بصفة خاصة.
هذا، و تطرح المسرحية مجموعة من القضايا التي تؤرق الإنسان العربي كالبطالة والرشوة والغلاء والاستبداد والحروب. كما تجسد المسرحية واقع العبث والهستيريا البشرية من خلال الرجوع إلى العالم الطفولي بكل ملامحه الرومانسية والفطرية.
وتستعرض المسرحية قصة كراكوز وعوض من خلال تمثل مسرح العرائس والدمى الذي أشاد به الإنجليزي إدوار ﯖوردون كريـﯖ في نظريته حول الممثل الدمية أو الماريونيت ، والألماني بيتر شومان صاحب مسرح الخبز والدمى Bread and puppet theatre الذي يعتمد على ممثلين :" لاينتمون إلى مدرسة احترافية، وإنما يصنعون الأقنعة بأنفسهم، كما يرقعون أكسيسواراتهم، وآلاتهم الموسيقية انطلاقا من الأشياء التي يعثرون عليها في القمامات، إذ نجدهم يستعملون تلقائيا عرائس محشوة، ونصف عرائس، وممثلين مقنعين، وآخرين تطلى وجوههم بالمساحيق." [1]
كما تستمد المسرحية سينوغرافيتها التشكيلية من فن البوب الذي يستخدم النفايات والرقع الممزقة والأشياء المستعملة في الحياة اليومية ليصنع بها صورا تجمع بين تلقائية الحياة والعنصر غير المتوقع الذي يدهش المشاهد ويثير انتباهه.
وعلى أي حال، فعلى الرغم من كون المسرحية نموذجا لمسرح النقد والشهادة الذي دعا إليه محمد مسكين ، وعلى الرغم من التقنيات الإخراجية التي شغلها العرض كالمسرح داخل المسرح، واستعمال العرائس والفنطاستيك، والشخصيات التراثية، وتوظيف البيوميكانيك، فإن العرض يتميز برتابة الحوار وملل الفرجة وهيمنة الخطاب المباشر وتكرار الإيقاع الدرامي البطيء وضعف التشخيص لكونه لم ينبع من الوجدان والذاكرة الحية والمعايشة الصادقة ، فقد كان في الحقيقة أداء تقنيا صرفا .
8- مسرحية " المحاكمة" والكوميديا الساخرة:
ترصد المسرحية التي قدمها نادي الانطلاقة لمسرح الشباب ببركان مشكل البائعين المتجولين ومعاناتهم من المحاكمات الجائرة المستبدة التي أوقعتهم في السجون والزنازين على الرغم من براءتهم.
ويتحول السجن في هذا العرض المسرحي إلى فضاء كوميدي ساخر تعرض فيه مجموعة من المواقف الهزلية عبر خطاب فكاهي شعبي مهجن بالمفارقة والسخرية الانتقادية والباروديا المثيرة للضحك والبكاء.
وعلى العموم، فالمسرحية ضعيفة من حيث الإخراج والتشخيص على الرغم من مشهد السفينة الذي يعد أحسن صورة درامية في المهرجان .
9- مسرحية" الضفة المجهولة": بين ضعف التشخيص وانعدام التكوين:
قدم نادي الجيل الصاعد لمسرح الشباب بفجيج مسرحية:" الضفة الأخرى " التي تصور واقعا مليئا بالتناقضات الصارخة الناتجة عن الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي وانتشار ظاهرة الفقر والبطالة والتهميش وغلاء الأسعار وارتفاع فاتورة الحياة، كما تعزف المسرحية على إيقاع الهجرة السرية والتأرجح بين المعاناة والأمل.
وعلى الرغم من واقعية المسرحية وطرحها الاجتماعي والسياسي، فقد عرضت المسرحية بطريقة مباشرة من حيث المضمون، وبخطة ضعيفة من حيث التشخيص والإخراج والسينوغرافيا.
ويلاحظ أن نوادي فجيج المسرحية في حاجة ماسة إلى ورشات تكوينية نظرية وتطبيقية في مجال التمثيل والإخراج ؛ لأنها مازالت لاتميز بين مسرح الطفل والمسرح المدرسي ومسرح الشباب، كما تتسم عروضها الدرامية دائما بالرتابة والملل والسذاجة و الفقر المسرحي.
10- مسرحية:" جيل لهبال" والكوميديا السوداء:
قدم نادي التواصل لمسرح الشباب بجرادة مسرحية:" جيل لهبال" التي تصور جيلا من الشباب الثائر على القيم الموروثة التي لاتخدم سوى مصالح الفئة الحاكمة والمستبدة.
كما انتقدت المسرحية الواقع المغربي المتعفن، فصورت عالم المشردين تصويرا تراجيديا قائما على الكوميديا السوداء وتشغيل فلسفة العبث واستعمال تقنية الكراسي كما لدى الفنان العابث يونيسكو مع تشغيل السينوغرافيا الفارغة القائمة على بساطة الديكور المتعدد الوظائف.
وعليه، فمسرحية " جيل لهبال" مسرحية فاترة ومملة ومباشرة تحتاج إلى الصقل وجودة الإخراج وروعة التشخيص.
خاتمة:
يتبين لنا من خلال عروض المهرجان الجهوي السادس لمسرح الشباب بتازة أن مضامين العروض تنبني على المواضيع الواقعية الاجتماعية والمواضيع الرومانسية و المواضيع الذهنية الفلسفية والمواضيع التراثية ذات الطابع الشعبي ، والمواضيع التي تتعلق بفن المسرح ووظيفته في الحياة.
كما ارتكزت هذه العروض من الناحية الفنية والجمالية على مجموعة من المدارس الإخراجية كالمدرسة الواقعية والمدرسة الطبيعية والمدرسة الرومانسية والمدرسة الرمزية والمدرسة الاحتفالية المتجددة والمدرسة الميتامسرحية.
وتنوعت طرائق التعبير من فرقة إلى أخرى، فهناك من يستعمل الطريقة التقريرية المباشرة كمسرحية : " مشاهدات صعلوك" ومسرحية: " نساء الزابوق" ومسرحية:" جيل لهبالة"، وهناك من يستعمل الطريقة الرمزية الانزياحية ذات الأبعاد السيميائية والذهنية كمسرحية" ثوارث ءيمظران" ، ومسرحية " من حبة قبة"، ومسرحية: " ثيرجا ن - تيري".
ونلاحظ من خلال المهرجان الذي يمثل الجهة الشرقية الشمالية والوسطى أن مستوى الحركة المسرحية يختلف من مدينة إلى أخرى، فالحركة المسرحية نشيطة في تازة والحسيمة والناظور ووجدة، ومتوسطة ببركان وجرادة ، وضعيفة بفجيج وتاوريرت.
* توصيات واقتراحات:
1- تخصيص ميزانية لدعم الفرق والنوادي المسرحية المشاركة في المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية لبناء ديكوراتها الدرامية وتشييد سينوغرافياتها وتحمل نفقات السفر؛
* شكـــر وتقدير:
نشكر السيدة نوال المتوكل وزيرة الشباب والرياضة على مجهوداتها الجبارة ونواياها الطموحة لكي يحقق مسرح الشباب بالمغرب أهدافه المرجوة وغاياته النبيلة وثماره المبتغاة.
وفعلا، فقد تحققت في مغربنا السعيد نهضة مسرحية كبيرة بسبب العدد الهائل من الفرق والنوادي المسرحية المشاركة ، وبفضل كثرة العروض التي قدمت في المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية.
واستطاع هذا المسرح الشبابي بفضل سياسة الوزيرة المحنكة أن يتفوق على قرينه مسرح الهواة الذي انتعش في فترة السبعينيات من القرن العشرين تأطيرا وتكوينا وتباريا، كما تفوق هذا المسرح الصاعد على المسرح الاحترافي بسبب كثرة الفرق المشاركة والعروض المقدمة التي تجمع بين فائدة المضامين والقضايا ومتعة الفرجة الدرامية.
ونشكر أيضا السيد المحترم مصطفى بنرهو مدير الشباب والطفولة والشؤون النسوية والمشرف العام على مهرجانات مسرح الشباب على تفانيه الصادق من أجل أن يتبوأ مسرح الشباب مكانته اللائقة به بسبب أفكاره النيرة وتوجيهاته السديدة التي مافتئ يقدمها بغيرة فنية ووطنية للعاملين معه.
ولا ننسى أيضا الشاب القدير ياسين بلراب رئيس قسم الشباب على خدماته الكبرى من أجل أن يمر مسرح الشباب في ظروف حسنة ومتميزة.
أما الشكر الكبير والثناء العظيم فلبطل مهرجان مسرح الشباب شكيب الرغاي رئيس مصلحة جمعيات الشباب على تواضعه الجم وأخلاقه الدمثة وجديته الصارمة ووسامته المشرقة. فهذا البطل البروميثيوسي لايتعب ولا يني ، إذ تجري دماء مسرح الشباب في عروقه الحية، وينبض في جسده عشقه الكبير لهذا المسرح الصاعد الذي بدأ ينحت اسمه في ذاكرة المسرح المغربي وفي سجل الثقافة المغربية.
ونشكر أيضا مندوب الشباب والرياضة بتازة السيد المحترم محمد زاوي أيما شكر على مجهوداته المضنية وخدماته الكبيرة التي أسداها لمسرح الشباب ، ونهنئه على نجاح المهرجان الجهوي أيما تهنئة، فنثني على ترحيبه الجم بجميع ضيوفه الكرام، ثم سهره المتفاني على المهرجان لكي يحقق نتائجه المثمرة وأهدافه المرصودة.
كما نشكره من أعماق قلبنا على حسن ضيافته، ونرجو من السيدة الوزيرة نوال المتوكل أن تشكر معنا هذا الرجل المخلص وتثني على هذا المندوب الوفي، وأن تبقي المهرجان الجهوي للمنطقة الشرقية الشمالية والوسطى دائما في مدينة تازة إلى أن يظهر ما يخالف ذلك، وقد قال نبينا (صلعم):" من لايشكر الناس لايشكر الله".
منقووووول ستار تايمز