skip to main |
skip to sidebar

8:44 ص

جمعية محترف شمس للمسرح

تعتبر
العيطة موروثا ثقافيا شعبيا و فنا أصيلا أرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب، اعتمادا
على الكلمة المعبرة و الإيقاع الموسيقي في نقل كل ما حكم تلك الفترة من صراعات و
بطولات.
و يمكن
القول بأن العيطة في مفهومها العام نمط شعري غنائي، شفوي زجلي متواتر، يتميز
بخصوصية جمعية تغطي ربوع الوطن، لكي يتخذ شكلاً آخر يضفي عليه خصوصية فردية. و
تبعا لهذه الخصوصيات تتعدد أنماط العيطة و تنوعت بين حصباوي و مرساوي و زعري و
حوزي… و هي أنماط إن اختلفت في الإيقاع فالموضوع واحد و الغرض واحد.
و هنا
سينصب اهتمامنا على نمط « الحصبة « لتسليط الضوء على ظاهرة فنية بإمتياز ، و لا بد
من الإشارة إلى أن العيطة الحصباوية تنتسب إلى موطنها بمنطقة عبدة ، و هي لون
غنائي عريق سواء من حيث مضامينه أو إيقاعاته ، سجل لنا على مر الزمن مرحلة هامة من
تاريخ المغرب وجد فيها أهل عبدة متنفسا لمشاعرهم و معاناتهم إزاء « القائد عيسى بن
عمر « و تصرفاته الطاغية مع الرعية.
و من
المهم أن نحدد أولا مصطلح الحصبة ، فالحصب و الحصبة تعني الحجارة الصغيرة الأجزاء
، و الحصاء و الحصى تعني حصبة و أرض حصبة تعني الكثيرة الحجارة ، و الحصبة منطقة
تقع شمال مدينة آسفي و تبعد عنها بثلاثين كيلومترا على الطريق الرابطة بين آسفي و
الجديدة.
و من
الأقاويل الشائعة عند العامة أن الحصبة كانت مسماة بالخصبة فتم استبدال الخاء
بالحاء.
و يرى
الشيخ الغليمي أن عيوط الحصبة كانت في الأصل تسمى بعيوط القصبة نسبة إلى قصبة
القائد « عيسى بن عمر «، لأن معظم هذه العيوط التي غنتها الشيخة « حادة الغياثية /
الزيدية « كانت موجهة ضده، خاصة حينما استقدمها جبرا ، فأعادت غناء بعضها في
القصبة. و من جهة ثانية لأن قصبة « عيسى بن عمر « شكلت آنذاك المركز السلطوي الذي
يتحكم في منطقة عبدة و في قبائل « ولاد زيد « الذين كانت لهم صلة وطيدة بساكنة
الحصبة.
و جدير
بالذكر أن الحصبة تضم العديد من العيوط ، لكن أشهرها تداولا خمس مقطوعات تختلف على
مستوى الشهرة و الأهمية و على مستوى النسق الإيقاعي الذي تقوم عليه و مدى قربها من
البعد التراجيدي و المأساوي الذي وضعت من أجله.
و لعل
هذا هو السبب الذي جعل بعض المقطوعات من السائغ كثيراً أن يوقعها معظم الشيوخ على
حساب مقطوعات أخرى، التي لا يتمكن منها سوى الراسخين في فن العزف البدوي. و أشهر
هذه المقطوعات مقطوعة ( رجانا فالعالي ) التي سميت تجاوزا بالحصبة و التي تليها في
الأهمية مقطوعة ( كبت الخيل على الخيل ) و مقطوعة ( حاجتي ف كريني ) ، ثم مقطوعة (
الرادوني ) لتأتي في الأخير مقطوعة ( خربوشة ) . ولكن المقطوعة التي تمانع و تصعب
على العازفين و المنشدين بأدائها هي مقطوعة « الرادوني « التي اشتهر بأدائها
الشيخان « الدعباجي « ، و عبد الرحمان مجرد الملقب ب « الترين «.
و
يعتبر أهم ما في العيوط الحصباوية أنها تسلط الضوء على مواضيع مختلفة، فمنها ما
يعرض للعلاقات الوجدانية و ما يغتمرها من فراق وهجر وحب و لوعة ، إلى جانب أنها
تقدم لنا صورة واضحة عن الأوضاع السياسية ( الأهلية ) في ذلك الوقت و بالضبط عن
سيرة القائد « عيسى بن عمر « .
علي
الخراز

