لنا دوما معكم لقاء

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

الصناعة الثقافية والمسرح المغربي : احنا فين ؟

بوسرحان الزيتوني

الحديث عن الصناعة الثقافية في المسرح المغربي يضعنا أمام سؤال معقد يتجاوز حدود الفعل الفني ليصل إلى البنية التي تحيط به: كيف يمكن لمجال إبداعي قائم على الفكرة والخيال أن يتحول إلى صناعة منتظمة لها منطقها الاقتصادي والتدبيري؟ فالصناعة تفترض نظام إنتاج وتوزيع وترويج، بينما الثقافة تقوم على الرمز والمعنى. وفي المسرح المغربي، يلتقي هذان البعدان في منطقة رمادية، حيث يظل الفعل المسرحي قائماً على المبادرة الفردية أكثر من اعتماده على منظومة متكاملة.

ما نعيشه اليوم ليس صناعة ثقافية بالمعنى الدقيق، بل نشاطاً فنياً متقطعاً، تحكمه شروط الدعم أكثر مما تحكمه دينامية السوق أو الحاجة المجتمعية. فالإنتاج المسرحي في المغرب ما زال أسير منطق المشروع الموسمي، الذي ينتهي بانتهاء التمويل، في غياب رؤية تجعل من الفرق والمؤسسات المسرحية بنيات قائمة بذاتها قادرة على الاستمرار والتطور. هذا الوضع يجعل المسرح أقرب إلى الحرفة المؤقتة منه إلى الصناعة الثقافية المستدامة.

من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن صناعة دون جمهور. فالسوق الثقافية لا تقوم فقط على العرض، بل على الطلب أيضاً. غير أن المسرح المغربي يعاني من ضعف في قاعدة المتفرجين، بسبب غياب التربية الفنية في المدرسة، وتراجع الثقافة المسرحية في الفضاء العمومي، وغياب سياسة ترويج ثقافي تُعيد للمسرح موقعه في الحياة اليومية. لذلك تظل العلاقة بين الفنان والجمهور هشّة، محكومة بالمناسبات والصدف أكثر مما هي قائمة على الاستمرارية.

تضاف إلى ذلك إشكالية البيروقراطية التي تسكن آلية الدعم، إذ تحوّل الدعم في كثير من الأحيان إلى غاية في ذاته، بدل أن يكون وسيلة لخلق إنتاج حقيقي. وهنا تظهر مفارقة واضحة: كيف نحافظ على حرية الإبداع في ظل منظومة تمويل تجعل الفنان تابعاً للمعايير الإدارية أكثر من انتمائه للهمّ الجمالي والفكري؟

رغم ذلك، يبقى المسرح المغربي غنياً بطاقة إبداعية واضحة، وبإمكانيات بشرية قادرة على تحويل الحلم إلى مشروع. لكن هذا التحول لن يتم إلا من خلال إعادة بناء السلسلة الثقافية كاملة: من التكوين في المعاهد إلى الكتابة المسرحية المحلية، ومن الإنتاج المهني إلى التوزيع، ومن العروض إلى الأرشفة والتوثيق والنقد. حينها فقط يمكن الحديث عن صناعة ثقافية حقيقية، لا بوصفها شعاراً بل بوصفها ممارسة واقعية تنتج معنىً وقيمة في الآن ذاته.

إن ما يحتاجه المسرح المغربي اليوم هو انتقال في المنطق: من منطق الدعم إلى منطق الاستثمار، ومن الفعل الثقافي المتقطع إلى الفعل الثقافي المستدام. فالصناعة الثقافية لا تقوم على المال وحده، بل على الرؤية التي تجعل من الإبداع مجالاً منتجاً للحياة والمعرفة معاً، وتحوّل المسرح من حدث موسمي إلى فعل اجتماعي دائم.


 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : رشيد شكري