لنا دوما معكم لقاء

السبت، 29 نوفمبر 2025

مهرجانات تلمع… ومسرح يحتضر في الظل: من يقتل الروح؟!"

 


بقلم :الإعلامي والسيناريست "أحمد بوعروة"
منشور في عدد آخر الأسبوع في جريدة "الأحداث المغربية "
تقديم — قراءة في صوت مسرحي حقيقي
حين نتحدث عن عبد الكريم برشيد، فنحن لا نستحضر اسماً عابراً في تاريخ المسرح المغربي والعربي، بل نتحدث عن مسار متفرد، عن مفكر ومؤسس ومنظّر، عن رجل عاش المسرح كهوية لا كوظيفة، وكقدر لا كنشاط ثقافي. منذ انبثاق كتاباته الأولى، مرورًا بتأسيس “الاحتفالية” كأفق فكري وجمالي، وصولاً إلى مشاركاته في مؤسسات عربية ودولية وإسهاماته في إعداد خرائط واستراتيجيات للمسرح العربي، ظلّ عبد الكريم برشيد صوتًا يقاوم السائد، ويطالب بالجوهر بدل القشور. نصه الأخير، المنشور على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، ليس مجرد منشور، بل ورقة فكرية حارقة وضع فيها تشريحًا صريحًا لحالة المسرح العربي، وكشف فيها عن السؤال الأكبر: من يقتل روح المسرح؟ هذه القراءة ليست تلخيصًا لما كتبه، بل محاولة للدخول في عمق رؤيته، وتحويلها إلى مادة للتفكير لا للاستهلاك.
1. بين وهج الصورة وغياب الفكرة
في نصه، يطلق برشيد إنذارًا واضحًا: ما يجري اليوم فوق الخشبات ليس بالضرورة مسرحًا. ما يلمع في افتتاح المهرجانات ليس إبداعًا، بل بروتوكول. ما يُروَّج له عبر الصور واللافتات والشاشات الخلفية ليس مشروعًا فكريًا، بل حدثًا عابرًا. أصبح العرض المسرحي يُنتج لأجل التغطية الإعلامية، لا لأجل طرح سؤال واحد على الجمهور. المسرح، في نظره، حين ينفصل عن الفكرة وعن السؤال، يتحول إلى “صورة بلا حياة”.
2. المسرح العربي… بلا ذاكرة ولا بيت
يكتب الاحتفالي جملة تترك أثرًا طويلًا: “نطلّ من نوافذ العالم ولا بيت لنا.”
نقلد تجارب الآخرين ونستوحي عروضهم ونعيش على فتات أفكارهم، لكن لا أحد يرى تجربتنا. لأننا ببساطة لم نبنِ بيتًا، لم نؤسس هوية، لم نزرع جذورًا. ما يحدث هو مسرح يعيش اللحظة، لكنه ينسى ماضيه ولا يصنع مستقبله. مسرح بلا عمق، بلا تاريخ، بلا حفر في التراب الثقافي الذي يقف عليه.
3. من المسرح إلى “البهرجان
التعبير الذي يستعمله برشيد صادم: مهرجانات حقيقية قليلة… و”بهرجانات” كثيرة.
لأن كثرة الأضواء لا تعني كثرة الإبداع، وكثرة الفعاليات لا تعني وجود فعل مسرحي. المهرجان اليوم يشبه قالبًا جاهزًا: نفس الكلمات الرسمية، نفس الخطابات، نفس النهايات. ما يُلمع ليس المسرح، بل الواجهة. هكذا يتحول المسرح إلى ديكور جميل، لكنه فارغ من الداخل.
4. حين تتحول الخشبة إلى مكتب
يقول الاحتفالي بصراحة: “المال والبيروقراطية قتلا المسرح العربي.”
فالمسرح الذي كان فضاءً للحرية أصبح اليوم مشروعًا إداريًا تخضع خطواته للمراسلات والتقارير والاختام. من يملك “الترخيص” يملك الخشبة. من يملك “الدعم” يملك الضوء. الموهبة لا تكفي، الفكرة لا تكفي، الصدق لا يكفي… بل يجب أن تمر من المكتب قبل أن تمر من الخشبة.
5. الاحتفالية… فلسفة مقاومة لا اتجاهًا مسرحيًا
الاحتفالية ليست مجرد مدرسة إخراجية، بل موقف وجودي. إنها تقول: المسرح يأتي من الإنسان لا من القاعات، من السؤال لا من السلطة، من الحرية لا من الإدارة. لذلك يكتب عبد الكريم برشيد: “لا رهبانية في الفكر ولا رهبانية في المسرح.”
المسرح، بالنسبة إليه، مكان يتسع للجميع، لا يملك مفاتيحه شخص ولا تيار ولا مؤسسة.
6. المسرح ليس كنيسة… بل بيت مفتوح
من أخطر ما يطرحه برشيد هو تشخيص المؤسسات المسرحية العربية التي تحولت إلى كيانات مغلقة. قلة قليلة تقرر مصير المسرح، تختار من يظهر ومن يختفي، تحكم بالمزاج لا بالمعايير. كيف لفن وُلد من الحوار والاختلاف أن يتحول إلى مساحة للإقصاء؟ حين تُمنع الأسئلة داخل المسرح، يموت المسرح.
7. العودة إلى الأساس: بناء المسرح لا تزيينه
الورقة ليست يأسًا. هي دعوة للبناء. المسرح لا يحتاج إلى مهرجان آخر، بل إلى مشروع فكري. لا يحتاج إلى بلاغ صحفي، بل إلى رؤية. لا يحتاج إلى جمهور يصفق، بل إلى جمهور يفكر. مستقبل المسرح لا يتأسس بالأضواء بل بالأسئلة. ولا ينهض بالميزانيات بل بالجرأة.
8. السؤال الأخير: من يملك الجرأة؟
برشيد لا يهاجم. إنه يدعو. يدعو المبدعين إلى استرداد مسرحهم. إلى استعادة الروح التي أُطفئت. إلى أن نكون أصحاب بيت لا أصحاب شرفة. لأن المسرح لا يعود حيًا إلا حين نستعيد جسارته الاولى.
خلاصة
الخشبة ليست مكانًا للعروض… بل مكانٌ للحقيقة.
والمسرح المغربي والعربي لن يعود قويًا إلا حين يعود حرًا.
ليس المطلوب أن نلمع، بل أن نفكر.
ليس المطلوب مهرجانًا، بل مشروعًا.
ليس المطلوب نافذة، بل بيتًا.


 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : رشيد شكري