من روائع الثقافة والتراث المغربي دائما ما تجد
شيئا يميزها عن باقي دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط. القفطان المغربي، ارتداه
السلاطين والملوك المغاربة عبر العصور، وكان يعتبر لديهم من رموز الفخامة ودليلا
على اهتمامهم بالأناقة والرقي، فكان يخصص لهذا اللباس حرفيين مهرة يعرفون بإسم
"المعلم" فيقومون بصنعه عبر عدة مراحل ابتداء من تفصيل الثوب، تجهيز
العقاد، خياطة السفيفة، وبعد ذلك يتم صنع أحزمة من أجل شد قطع الثوب ليصبح لباسا
كاملا وبعدها يتم إضافة السفيفة ثم العقاد وهكذا أصبح القفطان جاهزا.
أصل
القفطان المغربي:
يعود أصل القفطان المغربي إلى عهد الدولة
الموحدية المغربية في القرن 12 ليتم توارثه بين المغاربة إلى يومنا هذا[1] وتم نفي
أي أصل يربطه بالعثمانيين من قبل الدكتورة مفيدة عبد النور قصير استاذة تركية تعمل
كأستاذة باحثة بتركيا في أنقرة و أنجزت كتابها التطور التاريخي للباس القفطان[2]
الذي يتحدث عن القفطان و طرق صنعه في كل دولة محددة. لقد كان القفطان المغربي ذا
ألوان داكنة مع أكمام قصيرة[3]. ويعود الفضل في صناعته لمدينة فاس التي كانت في
عهد الموحدين المدينة الصناعية الأولى في العالم سنة 600 هجرية الموافق لسنة 1203
ميلادية حيث انتشرت بها مئات المعامل والمصانع ومنها مصانع نسج الثياب [4]، ويقول
عنها ليون الإفريقي (يوجد بفاس خمسمائة وعشرون دارا للنساجين، وهي أبنية كثيرة ذات
طبقات عديدة وقاعات فسيحة كقاعات القصور، تضم كل قاعة عددا كثيرا من عمال نسج
الكتان. وهناك أيضا مائة وخمسون معملا لقصاري الخيوط، يقوم معظمها بجوار
النهر)[5].
القفطان
المغربي في عهد الدولة الموحدية:
في هذه المنمنة، الإمبراطور المغربي الخليفة
الموحدي أبو حفص عمر المرتضى يظهر مرتديا قفطانا مطرزا بالسفيفة (نصف طوق) آخذا
المشورة في بلاطه بمراكش من حاشيته غداة استقباله لسفراء قشتالة، وهم في محاولة
لإقناعه بالانضمام لتحالف عسكري لمواجهة جيش أبو يوسف المريني بعد أن رفض دفع
الضرائب للمرينيين.
o
أسماء حاشيته من الوزراء الذين وثقت أسمائهم:
1. أبو محمد بن يونس 1248-1249م
2. أبو زيد بن يعلو الكومي 1249-1266م
3. أبو موسى بن عزوز الهنتاتي 1249-1266م
القفطان
المغربي في عهد الدولة المرينية والوطاسية:
في
الأعراس والمناسبات:
القفطان المغربي لديه ارتباط وطيد بالأعراس والمناسبات
المغربية. وبالحديث عن الأفراح والمناسبات لكل قبيلة أو مدينة مغربية عادات وتقاليد
خاصة بها مختلفة عن المدينة المجاورة لها وتجهيزاتها كثيرة تستنزف الكثير من المال
والجهد من أجل تحضير ليلة العرس، ومن عادات أهل فاس تقديم القفطان مع جهاز العروس
في العهد الوطاسي الذي هو امتداد للعهد المريني وما قبلهم وهذا ما وصلنا منهم
كعادة و تقليد مغربي التي بقيت قائمة إلى يومنا هذا.
حيث يقول المؤرخ المغربي "إبراهيم
حركات": (وتقضي العادة أن يقدم الزوج أثواب من الحرير والكتان، ومناديل من
حرير "سبنيات للرأس"، و 3 قفاطين و 3 فساتين و عدة أقمصة شربيل وأغطية
للفرش مزخرفة و وسائد و 8 فرش و 4 وسائد مطرزة و زربية و 3 اغطية لسرير النوم و
أشياء أخرى .. جهاز المرأة الفاسية كان يكبد الزوج المتوسط الحال نفقات باهظة تصل
إلى حد الإفقار أما والد الخطيبة فيتحمل ذلك أضعافا) [6].
القفطان
المغربي من لباس رجالي إلى نسائي (القرن 15)
يقول الحسن الوزان المعروف بليون الإفريقي الذي
عاصر الدولة الوطاسية وسفير سلطانها محمد البرتقالي وصاحب كتاب وصف إفريقيا في
جزؤها الأول حيث يصف نساء مدينة فاس في القرن 15 (ولباس النساء جميل، إلا انهن في
أيام الحر سوى قميص يحزمنه بنطاق لا يخلو من قبح، ويلبسن في الشتاء ثيابا عريضة
الاكمام ومخيطة من الأمام مثل ثياب الرجال.)[7]
هذا المقطع تعريف واضح على أن نساء مدينة فاس في
القرن الخامس عشر في عهد الدولة الوطاسية برعن في الخياطة والحياكة، واهم شيء
قاموا به هو تحويل القفطان الرجالي المغربي إلى قفطان نسائي (ثياب عريضة الاكمام ومخيطة
من الأمام مثل ثياب الرجال)، هذا يؤكد على ارتداء المغاربة للقفطان ووجوده في
بلادنا قبلا.
القفطان المغربي النسائي في القرن الخامس عشر
عادة ما يتم تصميمه بتفاصيل بسيطة من الصوف و كان يلبس من فوقه برنسا مصنوعا من
الصوف الأسود [8] .
القفطان
المغربي في عهد الدولة السعدية:
أما عن المنصورية أو ما يعرف اليوم باسم "التكشيطة" فهي من ابتكار السلطان أحمد المنصور الذهبي بنفسه. حيث يقول المؤرخ "محمد الصغير بن الحاج محمد بن عبدالله الافراني" في هذا الأمر "و هو لباس من ملف لم يكن مستعملا من قبله و هو أول من اخترعه أضيف إليه فقيل: المنصورية"[13][14].
القفطان المغربي النسائي في القرن السادس عشر، كان يصنع من الصوف الأزرق أو من الأقمشة الحريرية المطرزة بخيوط ذهبية. والحزام كان وشاحا حريريا غنيا باللآلئ مُكملًا بشريط طويل ذهبي اللون، تم ربطه كذيل في أجزائه الداخلية و يصل للأرض[15].
القفطان المغربي في عهد الدولة العلوية:
إهتم ملوك وسلاطين الدولة العلوية بمظهرهم وأناقتهم، فكان القفطان جزءا من لباسهم المخصص للظهور في المناسبات والحفلات التي تقام في القصر. ويذكر مؤرخ الدولة العلوية ونقيب أشرافها "مولاي عبد الرحمان بن زيدان في كتابه أن السلاطين العلويين كانوا يحتفظون بالقفاطين المصنوعة من ثوب الملف في صناديق خشبية ومكسوة[16].
في القرن السابع عشر، لقد كان القفطان المغربي لباسا فضفاضا مصنوعا من القماش الصوفي أو المخمل أو أي لون يغطي الجسم بكامله، إلا أنه ترك مفتوحًا عند العنق. وكان لهذا النمط طوقا أو خط على مستوى الخصر. وكانت حواف القفطان مطرزة بخيوط ذهبية. بالإضافة إلى ذلك، تم تثبيت القفطان بأحزمة واسعة مصنوعة من الحرير والذهب، الذي يحيط بالخصر. و كان القفطان يرتدى أيضا من طرف العروس خلال حفل الزفاف[17].
لقد كان قفطان المرأة المغربية في القرن الثامن عشر بطول الكاحل وكان مفتوحًا على الجانب الآخر فقط (الشكل 16). تم تغيير شكل القفطان ليصبح مثل "القميص Qmiss" و أزراره "العقاد" مثل القميص. وتغير شكله في نهاية القرن الثامن عشر إلى لباس طويل يشبه المعطف بأكمام طويلة، وعادة ما يكون مصنوعًا من الحرير أو المخمل أو القطن مرفوقا ب"حزام" تضعه المرأة المغربية حول الخصر[18].
أما في سنة 1830، يوم احتلال فرنسا لمدينة الجزائر (ولاية الجزائر العاصمة) فقد نزح للمغرب على مدينة تطوان حوالي 700 لاجئ جزائري. فأوصى السلطان "عبدالرحمان بن هشام" خديمه قائد مدينة طنجة "عبدالرحمان أشعاش" بأن يحسن استقبالهم و إيوائهم، لقد كانت تطوان قد استقبلت عددا كبير منهم قبل أن توزعهم على مراكز أخرى، لأن كثيرا منهم كانوا فقراء و لا حرفة لهم[19]. و أيضا أوصى السلطان خديمه طنجة بأن يعطي لكل وافد على مدينة تطوان قفطان ملف حيث و قد وردت في إشارات في الرسائل السلطانية المتبادلة بين السلطان محمد بن هشام و قائد تطوان أشعاش لها دلالة على أن القفطان أحد أهم الملابس التي يرتديها التطوانيين من بينها: "نأمر خذمينا القائد عبد الرحمان أشعاش ان يدفع لخيل اهل تطوان الواردين من حضرتنا قفطان ملف، لكل واحد منهم")[20]. فهكذا حصل الجزائريون على القفطان المغربي بأمر من السلطان عبدالرحمان بن هشام.
القفاطين التقليدية للمرأة المغربية خلال القرن التاسع عشر موجودة الآن في المتاحف. بعضها في متحف الوداية بالرباط وشاهده الباحثون في سبتمبر 1977. كانت جميع القفاطين مفتوحة في المقدمة وتم تجميعها معًا بواسطة العديد من الأزرار "العقاد" والحلقات الصغيرة، وكان لديهم شقوق جانبية. أيضا، كان لديهم حزام يدور حول الخصر. صُنع الحزام من الديباج على شكل خيط من الفضة أو الذهب. كانت المرأة المغربية ترتدي "شربيلا" خاصًا مصنوعًا من جلد مخملي أو جلد مغربي ومطرزة بخيوط ذهبية. أيضا، استخدمت النساء المغربيات الحجاب أو اللثام لتغطي وجهها مع هذا القفطان التقليدي. و لا يزال من الممكن مشاهدة القفطان المغربي التقليدي القديم للمرأة في القرن العشرين في الشوارع والمتاجر والمنازل وحفلات الزفاف والأعمال التجارية. أصبح القفطان في المغرب بعد عام 1960 معروفاً من قبل الشعب الفرنسي الذي يعيش في المغرب[21].
رسومات للقفطان المغربي:
سفراء المملكة المغربية بين القرنين 17 و 18 و هم يرتدون القفطان المغربي الرجالي:
دوق Montagu يرتدي القفطان المغربي في القرن الثامن عشر:
ليقوم الفنان البريطاني Enoch Seeman الذي عاش ما بين (1689-1744) بإبداع هذه اللوحة الفنية المذهلة بهذه الأثناء و التي تصور الدوق باللباس المغربي بسلهامه الصوفي الأبيض و الطربوش و القفطان الرجالي الحريري الزاهي الألوان و المثبت بحلقات وأزرار و كل هذا قد تم أمام أنظار السفير المغربي محمد بن علي.
القفطان المغربي في القصائد المغربية:
نهار الجمعة خرجوا الريام قصيدة للشاعر المغربي الشيخ مبارك السوسي (جزء منها):
يوم الجمعة خـــرجــوا الريــــام *** مـــن بــهـجة فــاس الـبـــالــي
السربات يحـــيــروا العـــــقــــل *** نــــحـــكــيــهـــم غــــــــــزلان
يوم الجمعة خرجوا الــــريـــــام *** خرجوا للبــــــاب البـــاهـيــات
على الكســـــاوي متـــعانــــدات *** لـــبســوا مـــــا واتــــــاهـــــم
مـــــــــن قــــــــفـــــــاطـــــــــن *** عـــــن كـــــل الــــــــــــــــوان
المبـرم والديـدي والطــــلـــــس *** الـــشـكرنــاط والمـشــجـــــــر
والـــــقـــلــــــب حـــــجــــــــــر *** والمــوبر بركــــاضـو الـغــول
الشيـــبي وخـــريب الكيـــــوس *** قــــمايــجـــهـم شي لا نصــف
الـــفـــيـــنــا والــلــــملــــــــــــم *** والـــحريــشــة حــتى المشعل
كايشابــــه له المــال الكثيـــــــر *** حـــزوم أرفـــــع مــن الـحرير
العـــــبارق والــــــشـــرابـــــــي *** لـــــونـــهــــا غــــــــــرابــــي
مـــقايـــــس من اللـــــجيـــــــن *** اللبات مع التاجرة والتــيجــان
يـــحــــيــــروا الــــعـــــقـــــــــل *** زادوا لـــلــقـــلــب أهــــوالــي
عــــــلـــــة لــــي عــلــة لــــــي *** الـــدبــايــج مــترصــــــعـــين
هذه القصيدة المغربية تظهر مدى غنى و تنوع القفطان المغربي لدى نساء مدينة فاس بجميع الأشكال و الألوان المصنوع من مختلف أنواع الأثواب المغربية و التي تظهر أسمائها في هذه القصيدة.
خاتمة
القفطان المغربي يختزل عدة قرون من الثقافة المغربية، حيث يشكل لباسا محوريا لدى الأسر المغربية. فالقفطان المغربي أصبح لباسا عالميا إقتحم مجال عرض الأزياء. أصبح الرقم واحد والأكثر طلبا لدى عدة دول عربية، وقد استلهم منه عدة مصممين ليصمموا أزيائهم بناءا عليه. فتبنت بعض الدول القفطان المغربي مثل الجزائر وتونس وأصبح من ضروريات الأناقة لديهم. فالقفطان المغربي يعتبر لباس كل زمان ومكان لأناقته ولأنه يجعل من تلبسه ملكة مثل ما ارتداه الملوك والسلاطين المغاربة عبر الدول المغربية السابقة في تاريخ المغرب.
المصادر:
[1] Historical development of the Caftan Costume, Mufida Abdlnor Kassir, page 55.
[2] Same reference.
[3] Same reference, page 56.
[4] فاس .. حاضرة الغرب الإسلامي ، https://islamonline.net/sahem/25216
[5] وصف إفريقيا، الحسن الوزان/ ليون الإفريقي، الصفحات 246، 247
[6] إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، الصفحة 209
[7] الحسن الوزان/ليون الإفريقي، وصف إفريقيا الجزء الأول، صفحة 252
[8] Historical development of the Caftan Costume, Mufida Abdlnor Kassir, page 56.
[9] ديوان قبائل سوس، 'إبراهيم بن علي الحساني، صفحة 169
[10] إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ الجزء الثاني، الصفحة 370
[11] الدكتور محمد نبيل، السلطان الشريف، الفصل الثاني: شارات وريث النبي، فصل "البياض شعار استقلال سلطان بلا عرش، الصفحة.
[12] ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار، ص566.
[13] محمد الصغير بن الحاج محمد بن عبدالله الافراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، الصفحة 128
[14] الدكتور و المؤرخ عبدالكريم كريم، المغرب في عهد الدولة السعدية، الصفحة 305
[15] Historical development of the Caftan Costume, Mufida Abdlnor Kassir, page 56.
[16] الصولة و الجولة في في معالم نظم الدولة، صفحة 59.
[17] Historical development of the Caftan Costume, Mufida Abdlnor Kassir, page 56.
[18] Same reference, p57. Wilcox, 1969.
[19] محمد داود، تاريخ تطوان ج8 الصفحة 315 ؛ المغرب عبر التاريخ، المجلد الثالث صفحة 216.
[20] محمد داود، تاريخ تطوان ج8 الصفحة 52 ؛ الجزائريون في تطوان، الصفحة 127.
[21] Same reference, p57.